ماذا بعد قمة الشعوب؟

نشر في 23-01-2009
آخر تحديث 23-01-2009 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر تميزت قمة الكويت بتحويل بوصلة اللقاءات الرسمية على مستوى الزعماء العرب نحو الاهتمام المباشر بهموم المواطن العربي ومشكلاته وظروفه المعيشية وتحدياته المستقبلية، وذلك في سابقة مهمة وغير معهودة جسدت رؤى وتطلعات صاحب السمو الأمير في هذا الشأن.

ولعل ما أكسب القمة العربية الأخيرة من نجاح في بعدها الموضوعي على الأقل هو التعطش الكبير من الشعوب العربية لتلمس قضاياها اليومية، وأشكال المعاناة التي تواجهها مئات الآلاف من الأسر في ظل عالم بلغ مداه في غزو الفضاء الخارجي، واختزال خطوط الطول والعرض على كوكب الأرض، وتفجر الإبداعات الإنسانية في مختلف شؤون الحياة، بعيداً عن الخطابات الرنانة والشعارات المتكررة التي دأبت عليها القمم السابقة، وعلى مدى أكثر من نصف قرن.

وحتى إذا كانت الخلافات السياسية بين القادة العرب لاتزال أسيرة هواجس الشك والريبة، والتي رغم إعلان المصالحة المعلنة كادت أن تعصف حتى بالقمة الناجحة، فإن أفضل طرق احتواء مثل هذه التجاذبات أو على الأقل تحييدها هو التركيز على المساحات المشتركة التي يحتل فيها المواطن الخليجي والشامي والمغاربي محور الارتكاز، لأن التعويل على المصالحة العربية وإعلانات «طاح الحطب» لم تعد بصراحة من أولويات المواطن العربي، فالزعماء سواء اتفقوا أم اختلفوا، تصالحوا أم تحاربوا، التقوا أم قاطعوا بعضهم بعضا، فإنهم بلا شك يعيشون في رفاهية قد لا يستوعبها حتى الخيال من القصور واليخوت والطائرات الفاخرة والمنتجعات السياحية، وألذ ما طاب من الطعام والشراب، ومحاطون بخيرة الأطباء ويتمتعون بالضمان الوظيفي مدى الحياة!

وتبقى الشعوب في المقابل هي المغلوب على أمرها بانتظار لقمة العيش يوماً بيوم، يحلمون بسقف يظلهم وأبناءهم، والقلق يساور قلوب الآباء من أجل إيجاد فرص التعليم لأطفالهم، وشبح الموت يخيم على أجواء الأسرة بكاملها إذا ما تعرض ربها لأي عارض صحي بسبب نقص الخدمات الصحية والدواء، ويستمر هذا الواقع المرير سواءً التقى زعماؤهم مع بعضهم بعضا بالأحضان والقبلات أو تراشقوا بتهم الخيانة وعبارات الشتم والسباب!

ولهذا فإن قمة الكويت قد تكون بصيص الأمل في جمع هذا الشتات من ملايين العرب حول مجموعة من المشاريع، حرفية كانت أم صناعية، تعليمية كانت أم اجتماعية، تنموية كانت أم ذات أبعاد ثقافية وفكرية، فمن شأن مثل هذه الأفكار أن تقرب الاهتمامات والتطلعات الشعبية على امتداد العالم العربي، وأن تولد رأيا عاما مستنيرا يعزز مكانة الطبقة المتوسطة، وهي عصب الاستقرار والتنمية، ليكون ذلك أعظم خدمة تاريخية يقدمها القادة إلى شعوبهم.

ولكن تبقى هناك بعض التبعات التي يجب أن تتحملها الحكومات في ترجمة مثل هذه الطموحات على أرض الواقع، وفي مقدمتها خلق الأدوات التنفيذية والعملية لتفعيل تلك المشاريع المعلنة فوراً ودونما تأخير، وإيجاد المظلة المؤسسية لرقابة ومتابعة تنفيذها وقياس نتائجها، ولا يكون ذلك محققاً إلا في استمرارية هذا النهج في اللقاءات العليا المستقبلية، الأمر الذي يفرض مقومات الشفافية وترسيخ مبادئ المحاسبة المسؤولة، وهذا يعني بطبيعة الحال إرساء دعائم الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار، ولعل هذا هو المحك الحقيقي للعديد من الزعماء العرب إذا ما كانوا بالفعل حريصين على مستقبل شعوبهم!

back to top