ما بعد الانتخابات 1
الآن وقد انتهت الانتخابات وهدأت النفوس وعادت العقول- إن شاء الله- نأمل من المشاركين فيها كافة؛ سواء الناخبون أم المرشحون أم مَن ساندهم من فرق وداعمين أم أحزاب أم قوى سياسية أم طوائف أم قبائل أم قوى اجتماعية، وقفة جادة مع النفس وتقييماً موضوعياً لأدائهم ونتائج اختياراتهم. فلا خير في تجربة لا نتعلم منها. لنبدأ بالناخبين... إن كنتم راضين عن نتائج الانتخابات فمبروك عليكم. ولكن نأمل أن تراجعوا أنفسكم بعد حل المجلس خلال العام المقبل. أما إن فوجئتم أو صدمتم بالنتائج فلنا العديد من الأسئلة لكم: ماذا كان دوركم في العملية الانتخابية؟ كم كرستم من الجهد الفعلي لضمان وصول مرشحيكم؟ إن اكتفيتم بالتنظير والفلسفة وأنتم جالسون على «مقاعدكم» الوثيرة فليس لكم حق التذمر أو حتى الانتقاد. فأنتم أحد عوامل الفشل.
أما العاملون في الحملات الانتخابية بصورة أو بأخرى... فكم قضيتم من الوقت في التواصل المباشر مع الناخبين؟ وكم ضاع من الوقت بالمقابل في العمل الإداري والاجتماعات والتنسيق؟ وكم ناخباً ناقشتم مباشرة ونجحتم في تغيير رأيه أو رأيها؟ وما هي أخلاقيات العمل التي التزمتم بها؟ وما هي الخطوط الحمراء التي حرصتم على عدم تعديها في العمل؟الأهم: ما هي أسس اختياركم لمرشحيكم؟ ما الذي تعرفونه عن برامجهم أو أخلاقياتهم أو ارتباطاتهم السياسية أو التجارية أو الشخصية؟ من المضحك المبكي أن نسمع مَن هو مستاء من هيمنة المتأسلمين أو الطائفيين أو القبليين على المجلس، وأثناء النقاش نرى أنه صوّت لأحدهم أو اختار مرشحيه على أساس مذهبي أو فئوي بحت. والمنطق عادة هو «ما تخيلت إن الصوت يفرق» أو «بس عشان واحد من الربع» أو «طالما هم بيتكتلون إحنا بعد لازم نتكتل»... والنتيجة أنهم ساهموا مساهمة مباشرة في النتائج السلبية وفي الفرز الطائفي والقبلي ولا يمكنهم أن يلوموا إلا أنفسهم. قابلت إحدى السيدات المثقفات والمنفتحات نسبياً وسألتها عمَن انتخبت، فقالت، وبكل فخر، إنها انتخبت أحد الإسلاميين المستقلين. فسألتها ما إذا كانت تعلم أن من بين برنامجه الانتخابي أسلمة القوانين ومنع الاختلاط وتقييد الحريات حسب مفهومه الخاص للشرع؟ وتساءلت ما إذا كانت تتفق مع هذا الطرح؟ فكان ردها المتحمس العاطفي الخالي من أي منطق أنها بالطبع ضد هذا كله، ولكن هذه «مواضيع جانبية» غير مهمة! وهذه السيدة نفسها تتنبأ الآن بحل المجلس حلاً غير دستوري في ما يقل عن عام. وأعلم أنها تمثل عدداً غير قليل من الناخبين والناخبات سواء في أسس الاختيار أم في تحليل النتائج. ولهؤلاء أتمنى وقفة صادقة مع النفس وتحمل مسؤولية قراراتهم ودورهم في تشكيلة المجلس الحالي. يتعين أن نسأل أنفسنا ما الذي تحتاجه الكويت الآن؟ وما هي الأولويات؟ وما الفائدة من نائب «نظيف» و«محترم» إن كان لا يؤمن بالأولويات نفسها ولا يشاركنا الفكر أو الاستراتيجية. النظيف والمحترم خطيب ممتاز لابنتك... ولكن ليس بالضرورة أن يكون هو النائب الصالح للكويت في هذه الظروف الصعبة والخطرة.أما مَن أضاع صوته على أسس مذهبية فنسأله: ماذا بعد؟ وصل المتطرفون من السنة ومن الشيعة، وضاع المعتدلون في العملية. فهل أنتم سعداء بالناتج؟ هل هذا هو المجلس الذي سيأخذنا عبر الألفية الجديدة؟ هل هو مجلس التنمية الذي سيحول الكويت إلى ميناء حر ومركز تجاري نطمح إليهما؟ الأهم، هل تعتقد حقاً بأن هذا المجلس سيستمر؟ وهل سيستاء أحد من حله إذا أخذنا في الاعتبار رد الفعل الشعبي على حل المجلس السابق، وعلى التصعيد الذي بدأ به المرشحون الفائزون حتى قبل تأدية القسم؟النتائج بغض النظر عن اعجابنا أو صدمتنا أو خوفنا منها، هي نسيج فكري جماعي لكل منّا يد فيه سواء بالمشاركة المباشرة أم السلبية أم التأثير غير المباشر. ولا يحق لأي كان أن يقف في موقع المتفرج ويلوم الآخرين من دون الاعتراف بدوره.