أثناء الوجود العسكري الأميركي للعراق، كان الاحتلال الإيراني ومازال قائماً، وهو أشد خطورة على مستقبل العراق من الوجود العسكري الأميركي، بل إنني أعتبر أن الاحتلال الإيراني للعراق، لا يفرُق كثيراً عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، والسيطرة على قطاع غزة.

Ad

كان ما تمَّ في العراق منذ 2003 إلى الآن، إحلالاً أميركياً وليس احتلالاً... ستقولون لي: كيف تخالف العالم كله، بما فيه الأمم المتحدة، التي أشارت إلى أن ما تمَّ في العراق احتلال واضح، كشمس أغسطس؟ ولكن رغم هذا فاسمحوا لي أن أسمي هذا إحلالاً، كما أطلقتُ عليه منذ خمس سنوات في مقالي (اليوم المشهود والوفاء بالعهود،30/6/2004). والإحلال Supplant يعني أن قوات الحلفاء، جاءت لا لكي تحتل العراق، ولا تخرج منه، ولكنها جاءت لـ«إحلال» نظام حكم وطني منتخب من الشعب، محلَّ حكم دكتاتوري طاغٍ، وعندما تنتهي المهمة عند هذا الحد، فسوف تنسحب القوات، وهذا ما تحقق اليوم بالضبط.

فقد رحل بريمر باشا، وبقيت قوات الحلفاء رهن إشارة السيادة العراقية، إن شاءت أبقتها،

وإن شاءت أمرتها بالرحيل، وبعد عام أو عامين، أو أقل أو أكثر، سوف ينتهي الوجود العسكري الأميركي للعراق، كما أعلن أوباما بالأمس، بعد أن تمَّ تحرير العراق من العبودية والدكتاتورية والإرهاب.

ولكن هل يعني هذا، أن العراق أصبح حراً طليقاً؟

الجواب كلا. فأثناء الوجود العسكري الأميركي للعراق، كان الاحتلال الإيراني ومازال قائماً، وهو أشد خطورة على مستقبل العراق من الوجود العسكري الأميركي، بل إنني أعتبر أن الاحتلال الإيراني للعراق، لا يفرُق كثيراً عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، والسيطرة على قطاع غزة. وأنا أقول ذلك، ليس لأن إيران دولة شيعية، ولكن لأنها دولة محتلة احتلالاً ناعماً Soft occupation. ولو كانت إيران دولة سُنيَّة فسأقول القول ذاته.

ولكي نُظهر خطورة وكوارث الاحتلال الحالي الإيراني للعراق، دعونا نُظهر الفوارق التالية بين الإحلال الأميركي، والاحتلال الإيراني للعراق:

1- جاء الإحلال العسكري الأميركي للعراق عام 2003 واضحاً وصريحاً ومكشوفاً، في حين أن الاحتلال الإيراني للعراق، دخل تحت جنح الليل سرياً، ومخفياً، وغير معلن.

2- لا تُنكر أميركا، بأنها قامت بغزو العراق للإطاحة بحكم صدام حسين، بينما تُنكر إيران أشد الإنكار، بأنها تحتل العراق بطريقتها الخاصة، أو تتدخل في شؤونه الداخلية.

3- الإحلال الأميركي للعراق كان عسكرياً منظماً، بينما كان الاحتلال الإيراني من خلال ميليشيات إرهابية، تنشر الرعب والموت في كل أجزاء العراق، ما عدا إقليم كردستان العراق.

4- كان الإحلال الأميركي منتشراً عسكرياً في شوارع، ومدن، وقرى العراق، في حين كان الاحتلال الإيراني منتشراً داخل الأحزاب السياسية/الدينية العراقية، وداخل مؤسسات الدولة الحساسة، كوزارة الداخلية، والدفاع، والجيش، والاستخبارات... إلخ.

5- كان الإحلال الأميركي ممثلاً سياسياً ببريمر، ومن بعده السفير العراقي كروكر، في حين كان الاحتلال الإيراني ومازال، من خلال أحزاب سياسية دينية عراقية، لا تنفي علاقتها الخصوصية بإيران، وكانت مظاهر الإحلال الأميركي الوجود العسكري المكشوف والوجود السياسي المعروف، بينما كان الاحتلال الإيراني متنكراً بـ«قفاطين» الأحزاب الدينية الشيعية العراقية، وبعماماتهم، وبالمجلس الإسلامي الأعلى، وبميليشيات مقتدى الصدر، وقوات بدر... إلخ.

6- كان هدف الإحلال الأميركي المعلن- سواء تحقق أم لم يتحقق- نشر الحرية والديمقراطية في العراق، بينما كان هدف الاحتلال الإيراني نشر مبادئ الثورة الخمينية السلفية، وفرض نظام ولاية الفقيه، كما فعل في جنوب لبنان، واعترف بذلك صراحة حسن نصر الله.

7- جاء الإحلال الأميركي للعراق، لكي يُحقق أهدافه ويخرج، بينما جاء الاحتلال الإيراني عامة ليبقى في العراق، ويبقى في الأحواز (منذ 1925) ويبقى في الجزر الإماراتية الثلاث (منذ 1971)، وها هو الآن يُهدد البحرين، ويعتبرها المحافظة الإيرانية رقم 14، كما أعلن رئيس تحرير صحيفة «كيهان» ومستشار المرشد العام، ومن قبله تصريحات المفتش الخاص في مكتب المرشد العام ناطق نوري، والنائب في البرلمان الإيراني داريوش قنبري.

8- كان لوجود الاحتلال الإيراني في العراق مقاومة أعنف من التي تعرض لها الإحلال العسكري الأميركي، فأغلبية القتلى خلال السنوات الخمس التي أعقبت عام 2003 كانت من الشيعة الذين قتلتهم ميليشيات السُنَّة الإرهابية. كذلك، فإن أغلبية الضحايا السُنَّة كانوا ضحية الميليشيات الشيعية الإرهابية.

9- كانت مهمة الإحلال العسكري الأميركي إطفاء جذوة الحرب الأهلية المحتملة بين السُنَّة والشيعة. بينما كانت مهمة الاحتلال الإيراني، إيقاد جذوة الحرب الأهلية المحتملة بين السُنَّة والشيعة، ولولا الوجود العسكري الأميركي في العراق، لاندلعت الحرب الأهلية فعلاً بين الطرفين.

10- كان الإحلال العسكري الأميركي يقوم بدور إيجابي في العراق، كبناء مؤسسات الشرطة العراقية، وتدريب قواتها، وتزويدها بالمعدات والأسلحة اللازمة، وكذلك فعل في بناء الجيش الوطني، كما يقوم بعمليات بناء للبنية التحتية في العراق لأوجه كثيرة، بينما كان الاحتلال الإيراني للعراق، يقوم بتفجير المباني، وقتل المواطنين، وتفجير السيارات المفخخة، ونسف أنابيب البترول، ومحطات الكهرباء والماء... إلخ.

11- دعا الإحلال العسكري الأميركي إلى عودة العراق إلى المجموعة العربية، وشجع الدول العربية بفتح سفارات لها في بغداد، كما جاء عدة مرات على لسان وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس، في حين قال النائب العراقي إياد جمال الدين لإحدى الصحف الكويتية في نوفمبر 2008، إن الاحتلال الإيراني الذي أصبح حقيقة واقعة في العراق، يسعى إلى قطع علاقات العراق مع الدول العربية الأخرى خصوصاً الكويت.

12- يقول شفيق السامرائي في مقاله «حول التدخل الإيراني في العراق» (شبكة أخبار العراق، 26/11/2005) «إن أجهزة المخابرات الإيرانية وميليشيا بدر، التي أُنشئت في إيران، تُنفذ مخططاً لاستعادة حلم قديم بإقامة إمبراطورية فارسية، تضم العراق إليها. فأجهزة الأمن الإيرانية اخترقت بالتعاون مع عناصر «بدر» ووزارة الداخلية العراقية، جميع أجهزة وزارة الداخلية من شرطة وأمن ومؤسسات أخرى». في حين أن الأميركيين لا يريدون العراق أن يكون ولاية أميركية، أو أن يصبح جزءاً من الجغرافيا والتاريخ الأميركي.

ومن هنا، فإن العراق الجديد الآن، أمام معركتين كبيرتين، لا بُدَّ من خوضهما: التخلُّص من الفساد المالي، والتخلُّص من الاحتلال الإيراني للعراق، بعد أن تكون القوات الأميركية، قد رحلت عن أراضيه، في المستقبل القريب.

* كاتب أردني