Ad

كأنما هناك خطة متعمدة لتشويه صورة المجتمع الكويتي الجميلة، لقد فضحونا بين خلق الله، بمسلسلات العنف والشذوذ والمخدرات التلفزيونية وغيرها من البرامج، حتى تحولنا بفضلهم إلى مجتمع شيطاني وشعب غير سوي بنظر الشعوب الأخرى، وكأنما لدينا عجب عجاب، وليس أمراً موجوداً في المجتمعات كلها، ومنذ بدء الخليقة!

هل نحن شعب «أبو هبَة»؟! «نهَب» بالشيء ونولع به حينا من الزمن، حتى نستهلكه تماماً، ثم نهجره، لنتحول الى غيره؟!

أخشى أننا كذلك، أو نكاد أن نكون، ولدينا عشق غريب لتقليد بعضنا بعضاً، فإن كانت «الهبَة» مثلاً «قصَة شعر» جديدة وعجيبة، رأيت شبابنا كلهم قد قصَوا شعورهم بالطريقة نفسها، واتخذوا المظهر نفسه، الطويل والقصير، السمين والنحيل، الوسيم والدميم، تناسبهم أو لا تناسبهم هذه «القصَة»، ذلك أمر غير مهم بالمرة، ولا يخطر على بال أحد منهم، فمادام الجميع قد فعل ذلك، فليتوكل على الله، وليفعل مثلما فعلوا!

وما ينطبق على «قصَات الشعر» ينطبق على أمور أخرى كالسيارات مثلا، فقبل ثلاثة أو أربعة أعوام هبَ الشباب -وبعض الشياب- هبَة غير طبيعية، بجيب «hammer» الذي أعتاد الجيش الأميركي استخدامه، وأصبح الجميع -فقيرهم وغنيهم- يرغب باقتنائه، من أجل أن يصبح «cool»، وقد ظهرت منه بناء على رغبة الجماهير أحجام متنوعة، وألوان فاقعة متعددة، حتى امتلأت الشوارع منه، وملّ الجميع من رؤيته، فتحولوا إلى غيره!

وحدث في أحد الأيام، أن كانت إحدى الشابات تبحث عن حل لمشكلة رأسها الصغير، فوجدته في «ماعون الفول» الذي تناولته بالكامل، ثم أخفت علبته الفارغة تحت «الشيلة»، من دون أن تدرك أنها قد قامت بثورة في لبس «الشيلات»، فقد قلدنها النساء كلهن تقريباً، حتى ذوات الرؤوس الكبيرة «خلقة» في هبَة غير مسبوقة، وأصبح أحدنا يمشي في السوق، فيرى رؤوسا نسائية عجيبة في ضخامتها، تتقارب وتتزاحم فتتصادم، وينتج عن ذلك العديد من الحوادث المؤسفة، يذهب ضحيتها عدد من الأبرياء الغافلين!

ولم يخلُ عالم الصحافة الكويتية من بعض الهبَات «الكلامية»، فقد أتى حين من الدهر، لا يكاد يخلو مقال سياسي من هذه العبارات «الدخول في نفق مظلم»، «الخروج من عنق الزجاجة»، «ضيعت الحكومة بوصلتها»، وكأن المقال لا يعد مقالاً، إلا بوجود هذه العبارات!

وإن كنت من مشاهدي التلفزيون، فستلاحظ أن أغلب المذيعين والضيوف «كاشخين» هذه الأيام بكلمة «للأمانة»، يرددونها بمناسبة ومن دون مناسبة، للدلالة على الثقافة والمعرفة الواسعة، وسيكون أمراً عادياً أن سمعت أحد الضيوف يقول: «للأمانة، أحييك وأحيي المشاهدين الكرام، للأمانة، أنا من متابعي البرنامج الدائمين، وللأمانة، أنت من أفضل المذيعين، وللأمانة، لا أدري ماذا أقول، وللأمانة...»!

الأخوة الكتاب والنواب الإسلاميين، وبعد أن انتهوا من هبَتهم السابقة «ضوابط وثوابت»، نجدهم هذه الأيام «هابَين» -هناهم الله- هبَة غير طبيعية بكلمة «ظاهرة»، فكل شيء عندهم ظاهرة سلبية ودخيلة، فلو ذهب أحدهم إلى الخباز الإيراني ووجد عنده بعض الزحمة، لقال لك إن الكويت تعاني «ظاهرة» الازدحام عند الخبازين، ولو رأى أحدهم يبصق في الشارع لقال إن الكويت تعاني «ظاهرة» البصق في الشوارع، ولو صادف امرأة تضرب زوجها لصاح بأن الكويت تعاني «ظاهرة» ضرب الأزواج!

وقد اعتدنا منهم كلما أتى الحديث في الآونة الأخيرة عن لجنة الظواهر السلبية، أن يرددوا على مسامعنا ليل نهار، ان الكويت تعاني «ظاهرة» (الجنوس والبويات)، و«ظاهرة» عَبدة الشيطان، و«ظاهرة» تعاطي المخدرات، وأنهم أنشأوا هذه اللجنة للقضاء على هذه «الظواهر»، حتى خيل إلينا أن نصف الشباب الكويتي من الجنوس والبويات، والنصف الآخر ما بين مدمن للمخدرات أو عابد للشيطان!

وكأنما هناك خطة متعمدة لتشويه صورة المجتمع الكويتي الجميلة، لقد فضحونا بين خلق الله، أولاً بمسلسلات العنف والشذوذ والمخدرات التلفزيونية، ثم ببرامج الشيخين نبيل ومحمد العوضي اللذين يخصصان حلقات كاملة متتالية بين فترة وأخرى، عن الشاذين جنسياً وعن عَبدة الشيطان، وأخيراً النواب والكتاب الإسلاميين و«ظواهرهم» التي لا تنتهي، حتى تحولنا بفضلهم إلى مجتمع شيطاني وشعب غير سوي بنظر الشعوب الأخرى، وكأنما لدينا عجب عجاب، وليس أمراً موجوداً في المجتمعات كلها، ومنذ بدء الخليقة!

إن أعداد الشاذين ومتعاطيي المخدرات أو عُباد الشيطان لدينا أيها السادة، تبقى في معدلاتها العادية كبقية الدول المحيطة بنا، بل وربما أقل منهم بكثير في بعضها، ولا يمكن أن نسمي ما لدينا بأي حال من الأحوال «ظواهر»، فالظاهرة الاجتماعية هي المرض الاجتماعي الذي يشمل أو يطال فئة أو شريحة واسعة من المجتمع، تقترب على الأقل من 10% من مجمل الشعب، وهذا غير حاصل لدينا بالمرة، فلدينا حالات لا تتجاوز في مجملها بضع مئات على الأرجح، وهي تعتبر بوضع كهذا «حالات معدودة»، ولا ترقى أبداً إلى مستوى الظاهرة!

«فارحمونا»... رعاكم الله، و«كفاية» فضائح، ودعوا المتخصصين يعالجون الأمور بهدوء وتعقل، وبقليل من الصراخ، وكثير من الحكمة والستر، وابحثوا لكم عن كلمة أخرى «تهبَون» بها غير كلمة «ظاهرة» فقد أخذت كفايتها ومللنا من سماعها!