الشيعة بريئون منهم!!

نشر في 13-05-2008
آخر تحديث 13-05-2008 | 00:00
 صالح القلاب

كل الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية اللبنانية نمت في الجنوب، وترعرعت فيه واعتمدت كادحيه ومزارعيه مادتها الخام الأساسية... وهكذا إلى أن بزغ نجم الثورة الإيرانية التي رفضت أن تكون إسلامية لجميع المسلمين، وأصرت على الهوية المذهبية، ونصت على هذا في دستورها.

إساءة «حزب الله» في الجريمة الأخيرة التي اقترفها في بيروت ولبنان، إلى الشيعة أكثر من إساءته إلى السنّة، فهو شوَّه صورة هذه الطائفة الكريمة وارتكب باسمها عنوة أبشع الأفعال، وهو كان قد اختطفها في لحظة مريضة من الحرب الأهلية القذرة الأخيرة، وانتزعها من واقعها القومي العروبي، ومن التزامها الوطني وألبسها بالسلاح والأموال الإيرانية وبالتهديد والوعيد ثوباً مذهبياً غير ثوبها، جرى تفصيله في إيران من قبل «دهاقنة» حراس الثورة وفيلق القدس.

في كل التاريخ المعاصر كان شيعة لبنان، مثلهم مثل شيعة العراق والخليج العربي كله، عرباً أقحاحاً ملتصقين بقضايا أمتهم وهمومها، وكانوا دائماً وأبداً طليعة الحركة الوطنية اللبنانية، ولذلك فإنهم احتضنوا المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها في منتصف ستينيات القرن الماضي، واستقبلوها في بيوتهم الجنوبية وتحملوا من أجلها كل الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة التي تواصلت على مدى ربع قرن من السنوات.

كل الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية اللبنانية نمت في الجنوب، وترعرعت فيه واعتمدت كادحيه ومزارعيه مادتها الخام الأساسية... وهكذا إلى أن بزغ نجم الثورة الإيرانية التي رفضت أن تكون إسلامية لجميع المسلمين، وأصرت على الهوية المذهبية، ونصت على هذا في دستورها، وهذا انتقل إلى شيعة لبنان مع الأموال والأسلحة التي انتقلت إلى هناك، وأنشئت لها ميليشيات وجيوشٌ اقتلعت هذه الطائفة الكريمة من واقعها السابق، وانتزعت منها هويتها السابقة، وأعطتها هوية جديدة غريبة الوجه واليد واللسان، هي الهوية الفارسية المعممة وللأسف بالعمامة السوداء الشريفة!

ربما أنه غير معروف للكثيرين أن حركة «أمل»، التي تزعمها الإمام موسى الصدر، الذي ذهب في نهايات عقد سبعينيات القرن الماضي إلى الجماهيرية الليبية الاشتراكية العظمى، وبقي هناك ولم يعد، قد أطلقتها حركة «فتح» وأن الذي أعطاها هذا الاسم «المقاومة اللبنانية» هو خليل الوزير «أبو جهاد»، وأن طلائعها الأولى تدربت في معسكرات «فتح» وأن أسلحتها وأموالها كانت فلسطينية. لكن، وهذا معروف ومثبت، ما إن وصل تأثير الثورة الإيرانية، التي هتف لها الفلسطينيون أكثر مما هتف لها الإيرانيون أنفسهم على أساس أنها أزاحت الشاه السابق المتحالف مع الولايات المتحدة، والمرتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، إلى لبنان حتى ارتدت حركة «أمل» لتعض اليد التي امتدت إليها بالرعاية، فكانت تلك المواجهات مع حركة «فتح» في الجنوب اللبناني وفي الضاحية الجنوبية من بيروت عشية الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وكان حصار المخيمات الفلسطينية الشهير بعد ذلك، وكل ذلك كان باسم الشيعة والطائفة الشيعية.

إن أكبر خطأ يرتكبه السنّة هو الانقياد إلى هذه المؤامرة، التي كان عنوانها هجوم «حزب الله» وحركة «أمل» يوم الخميس الماضي على بيروت الغربية واجتياح شوارعها وبيوتها، فالطائفة الشيعية بريئة من هؤلاء القتلة وأفعالهم المشينة والطائفة الشيعية اُستهدفت بهذا الذي جرى كما اُستهدفت الطائفة السنية، ولذلك فإنه ضروري جداً أن ترتفع أصوات الاستنكار ضد الذين استهدفوا مكتب السيد حسين فضل الله في طرابلس في الشمال اللبناني.

لم يسلم مكتب السيد علي الأمين المفتي الجعفري لمدينة صور وجبل عامل من بربرية قطعان حركة «أمل» و«حزب الله» وقد استهدف، الذين أحرقوا ودمروا المؤسسات الإعلامية في بيروت الغربية، المثقفين والصحافيين والكتاب الشيعة، كما استهدفوا زملاءهم السنة والمسيحيين والدروز، وهذا معناه أن ميليشيات حسن نصرالله ونبيه بري المتنافسة أساساً على الهوية المذهبية، قد قامت بما قامت به تنفيذاً لأجندة ذلك التحالف الذي اسمه «فسطاط الممانعة» الذي تقوده إيران، وأنها استخدمت اسم الطائفة الشيعية اللبنانية من أجل تمرير مؤامرة تمزيق المسلمين ليمر مشروع الإمبراطورية الفارسية الجديدة.

* كاتب وسياسي أردني

back to top