محزن أن يتحول إعلامنا الكويتي الذي كان مفخرة لنا ومحط إعجاب من حولنا في الماضي، إلى مثار تندر الآخرين علينا، وهو ما لمسته من استفسارات واتصالات بعض زملاء المهنة في الخارج الذين هالهم ما يقوم به الدخلاء على هذه المهنة من أبناء جلدتنا.

Ad

مهزلةٌ بكل المقاييس والمعايير، ما يصدر هذه الأيام من بعض وسائل إعلام مرئية ومقروءة اقتمحت هي وملاكها فجأة، محيطنا الإعلامي لتعيث فيه فساداً وتشويهاً، ممارسةً في الوقت نفسه دوراً مشبوهاً في ضرب وحدة المجتمع، ودقّ إسفين في العلاقة بين الحاكم والمحكوم عبر طرح خبيث، ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، زاده التملق المكشوف الذي يصيبُ بالغثيان.

الوطنية التي فصّلوها على مقاساتهم، أصبحت مطية «جرباء»، انحنى ظهرها، وتثنت قوائمها الأربع، من كثرة امتطائها صباح مساء، فهم وحدهم الوطنيون، وهم فقط الكويتيون، وما عداهم، إما متمصلحٌ، وإما قابضٌ، وإما حرامي ومتجاوز، سواء كان موطنا أو نائبا، أو حتى مسؤولاً اختلفوا معه لسبب ما، وكان الإخلاص للوطن حكراً عليهم دون غيرهم.

أحدهم خرج علينا عبر شاشة إحدى فضائيات «الردح» قبل فترة، ممسكاً بصورة سمو الأمير حفظه الله يتباكى على ما أسماها حالة البلاد المتردية، ولكن بطريقة فيها من المجاملة والتزلف، ما يجعلك تشعر بأن الكلمات تخرج من الفم لا القلب... عفواً أيها الإعلامي «الكبير» لا أنت ولا محطتك من يعلمنا حب أميرنا وحكامنا وبلدنا... ولا ننتظر منكما دروساً في الوطنية التي تسير مسرى الدم في شرايين كل كويتي، منذ أيام السيف والرمح والشراع والمجداف، إلى يومنا هذا.

لم نتعود ككويتيين على أسلوب مسح الجوخ لحكامنا عبر وسائل الإعلام كغيرنا في الدول الأخرى، فعلاقة المواطن بالأسرة الحاكمة هنا استثنائية في كل شيء، تعتمد أسلوب المبادرة بالحب لا الفرض والإجبار، لأن ولاء أهل الكويت لأسرة آل صباح هو في واقع الأمر ممارسة، وليس شعاراً يرفع للتكسب والتقرب من ولاة الأمر، وهو وضع ترفضه وتمقته أسرة الحكم قبل غيرها.

فضائية أخرى تحاول منذ فترة تصوير الكويت وكأنها تعرضت لغزو جديد أو انقلاب عسكري، عبر حملة تافهة يقودها سقط القوم وسذجهم، من خلال الإساءة للمؤسسة البرلمانية وتأليب السلطة على الشعب، إلى الانقلاب على مكتسباته التي تمتعوا بخيراتها عدة سنوات، وعندما لفظهم الشارع تغيرت مفاهيمهم فأصبحوا على استعداد لهدم المعبد على رؤوس الجميع.

محزن أن يتحول إعلامنا الكويتي الذي كان مفخرة لنا ومحط إعجاب من حولنا في الماضي، إلى مثار تندر الآخرين علينا، وهو ما لمسته من استفسارات واتصالات بعض زملاء المهنة في الخارج الذين هالهم ما يقوم به الدخلاء على هذه المهنة من أبناء جلدتنا.

لست هنا للدفاع عن نائب أو مؤسسة، بل عن ثوابت تتعلق بأمن الوطن ووحدته وتماسكه، وسمعته خارجيا، وهو ما يتطلب تدخلاً من أعلى المستويات لإيقاف هذه المهازل التي تحاك وتُدبَّر تحت مظلة التباكي على الحريات التي باتت شماعة لا يعلق عليها إلا كل ثوب نتن الرائحة.

***

الزميل محمد الوشيحي يقول إن رجله اليمنى تصاب بـ«التنمل» إذا استمع لأي حديث اقتصادي، أما أنا فيُغمَى عليّ إذا تكلّم أحدهم بلغة الأرقام المليونية... عموما لا أفهم في الاقتصاد كثيراً، لكنني أفهم أن هناك شركات كويتية جنت الملايين، وربما المليارات، عبر عقود من الزمن، ولم يأتها أحد، ويقول «من مال الله يالأجواد»، ولم تدفع ديناراً واحداً كضرائب للدولة، ولم توظف أي كويتي... اليوم تقول أنقذوني فتجيّر الحكومة خيلها ورجالها لهذه المهمة... إنه منطق معكوس... أليس كذلك؟!