عمك أصمخ... وبلا إحساس !

نشر في 17-03-2009
آخر تحديث 17-03-2009 | 00:00
 حمد نايف العنزي قرأت مرة مقالاً لأحد المدونين يشكو فيه صديقاً دائم التذمر من كل شيء، من زوجته، أولاده، عمله، سيارته، وضعه المادي، برامج التلفزيون، الحكومة، كل ما يزحف ويمشي على الأرض ويطير في السماء!

«كن جميلاً ترى الوجود جميلاً»... و«اضحك للدنيا تضحك لك»... و«ابتسم يكفي التجهم في السما»... كانت هذه نصائح صاحبنا المدون لصديقه دائم الشكوى والتذمر، ولكل من هم على شاكلته من المتذمرين دائمي الشكوى بلا سبب، الذين يرى أنهم لا يقدمون لمن حولهم سوى النكد والهم والغم، لأنه «لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب»!

لا أدري لِمَ لمْ يعجبني كلامه، ربما لأنني كنت من كبار المتذمرين في تلك الفترة، فعلّقت على مقاله قائلا: إن المتذمرين هم سبب التغيير والتطور نحو الأفضل في كل المجتمعات، فلكي تُحدِث أي تغيير لابد أن تكون غير راض عن الأوضاع التي تعيشها وتملك الرغبة في تحسينها، ولذلك تبدأ بالتذمر والشكوى لكي تسمع صوتك للآخرين من حولك، وتشعرهم بوجود الخطأ لعل بيدهم إصلاح الأوضاع المائلة وتعديلها، ولذلك، فصديقك مصلح اجتماعي وإن كان لا يعرف ذلك!

والحقيقة أنني لم أكن متأكداً من صواب ما كتبت، لكنني، بعد أيام، شعرت براحة كبيرة حين قرأت مصادفة عبارة للكاتب الإيرلندي الشهير أوسكار وايلد يقول فيها: «عدم الرضا هو الخطوة الأولى في طريق التقدم لأي شخص أو أمة»!

أعجبتني عبارته كثيراً واقتنعت بصحتها، حتى أنني، لسذاجتي المفرطة، ورغبتي الصادقة في المساهمة بدفع عجلة التقدم في وطني الحبيب، رحت أتذمر من كل شيء أراه أمامي، بسبب ومن دون سبب، وانتقلت عدوى التذمر مني إلى الآخرين بسرعة كبيرة، وأصبح كل من هم حولي ينافسونني في التذمر، وتفوق بعضهم عليَّ بمراحل، ولم أتضايق، بل تفاءلت خيراً، واستبشرت بقدوم عهد التطور والتقدم والتنمية، فعدم الرضا هو الخطوة الأولى في طريق التقدم لأي شخص أو أمة كما يقول العم «أوسكار وايلد»!

لدينا اليوم مليون مواطن يتذمرون ويشكون ليل نهار الأوضاع السياسية والاقتصادية وحالة الجمود التي يعيشها وطنهم منذ مدة طويلة، لم يتركوا وسيلة للتعبير إلا عبروا من خلالها عن عدم رضاهم لما يشاهدونه من فنون «السيرك السياسي» الذي يُقدِّم لهم يومياً التهريج وخفة اليد و«الشقلبة والنطنطة» والترويض بالسياط!

وبُحَّت أصوات الناس المخلصين، وهم يطالبون من يفترض بهم أن يكونوا أرشد القوم وأحكمهم، وأقدرهم على حل مشكلات الوطن والمواطنين، بالتعقل والنظر إلى المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة، لكن «المراهقة السياسية» التي سيطرت على كثير منهم تقف حائلاً بينهم وبين الوعي بخطورة مهاتراتهم وأزماتهم المتكررة والمفتعلة على مصلحة ومستقبل الوطن والمواطن.

وعلمت أن نظرية العم «أوسكار وايلد» ناقصة، وأن خبيثاً قد اقتطع من كلامه أهم فقرة، لأن الجملة الصحيحة التي قالها وايلد هي: عدم الرضا هو الخطوة الأولى في طريق التقدم لأي شخص أو أمة... شريطة ألا يكون «عمك أصمخ» وأن يكون لديه ذرة من الإحساس!

أما الإحساس فلا نرى له أثراً، وأما «الصمخ» فواضح وضوح الشمس، لم يعد القوم قادرين على سماع ما نقول ونطالب به، وأصبح الحديث إليهم كالحديث إلى عجوز تسعيني ثقيل السمع كلما قلت له شيئاً أجابك «هااااا... إيييه»!

نقول لهم الصحة متدهورة يقولون مصاريف الديوان، نقول لهم التعليم متردّ يقولون مسجد الكيربي، نقول لهم الطرق مزدحمة يردون علينا «الداو»، نقول لهم القروض وفوائدها تلتهم البشر يقولون دعم الشركات، نقول لهم الإسكان يقولون ستار أكاديمي، نقول لهم الغلاء يخنقنا يقولون حفلات هلا فبراير، نقول لهم البدون يقولون غزة، نقول لهم ارحمونا من صراعاتكم التي لا حد لها يقولون الاستجواب أولاً!

لقد فقدوا حاسة السمع وفقدوا إحساسهم باهتمامات المواطنين وأولوياتهم، ولذلك، سنظل نتذمر ونتذمر، لكن شيئاً لن يتغير ما لم نتحرك فعلياً، لأننا نحن من اختار هؤلاء، ونحن من يجب عليه تغييرهم والإتيان بخير منهم، وفق مقاييس بعيدة كل البعد عن القبلية والطائفية والمناطقية!

ولنبدأ من اليوم بوضع قائمة بأسماء كل من أصيب بالصمم بعد أن لبس «البشت» النيابي، وجلس على الكرسي الأخضر، ولنقرر قراراً لا رجعة فيه بألا نعيد مثل هذه الوجوه إلى الواجهة السياسية بعد اليوم... فهل سنفعل ذلك؟ أم أن ذاكرتنا الضعيفة ستنتصر لهم كالعادة؟!

***

على فكرة... الحكومة أكثر «صمخاً» من المجلس في كل ما يهم المواطن البسيط، والكلمة الوحيدة التي تسمعها بوضوح هي كلمة «استجواب» وهي توازي كلمة «افتح يا سمسم» حيث تفتح أبواب التنازلات والترضيات على مصراعيها لكل نائب انتهازي وابتزازي!

back to top