لا حرب خليجية رابعة
هل ستقع الضربة العسكرية- الإسرائيلية الأميركية- ضد إيران أم لن تقع؟ سؤال حائر قلق يتردد في كل مكان، وما إن يطرح السؤال في أي لقاء أو تجمع أو مجلس حتى ينقسم الحضور إلى فريقين: فريق يستبعد حصول الضربة، وهم أغلبية، وفريق يتوقع الضربة، وهم أقلية، ولكل فريق حججه ومبرراته التي يحاول إقناع الفريق الآخر بها، لكن الأغلبية التي تستبعد الحرب الخليجية الرابعة سرعان ما تتنازع على المبررات والحجج، إذ يذهب قسم منها إلى أن الحرب غير محتملة استناداً إلى حجتين: الأولى، أن الولايات المتحدة عاجزة عن شن حرب جديدة بسبب تورط قواتها في أفغانستان والعراق، فهي مثقلة ومنهكة ولا تستطيع اليوم فتح جبهة جديدة، وخصوصاً أن الشعب الأميركي قد سئم من إدارته الحالية التي كلفته الكثير على الصعيد الاقتصادي، غير التضحيات البشرية بسبب التورط العسكري في أفغانستان والعراق، وفي كتاب جديد بعنوان «حرب الثلاثة تريليونات دولار» يقرر أستاذ السياسة في هارفارد والحائز على «نوبل» في الاقتصاد، جوزف ستيغليتز، ان التكاليف الإجمالية لغزو العراق ستلامس سقف الثلاثة تريليونات دولار، مما أدى إلى تراجع الدولار وتعرض الاقتصاد الأميركي لكساد وتضخم ليرتفع الدين من 5 إلى 10 تريليونات في السنة المقبلة.أما الحجة الثانية فهي أن إيران غير «العراق» و«أفغانستان» لقد تعاظمت قوتها وزاد نفوذها إقليمياً ودولياً، وعندها الكثير من الأوراق السياسية التي تستطيع بها إيذاء أميركا. ويستشهد هؤلاء المؤمنون بقدرة إيران العسكرية على ضرب المصالح الأميركية بالمناورات العسكرية الإيرانية الأخيرة، مناورات «الرسول الأعظم» في الخليج ومضيق هرمز. حيث أطلقت إيران صاروخ «حوت»، وهو «أسرع صاروخ تحت السطح في العالم»، لم تنجح حتى أميركا في تصنيعه حسب ادعاء الموقع الإلكتروني «عصر إيران»، إضافة إلى التقدم الذي حققته إيران في إنتاج صواريخ يبلغ مدى بعضها 350 كم غير «شهاب 3»، الذي يبلغ مداه 2000 كم. كما توعدت طهران بضرب 32 قاعدة أميركية في الخليج وقلب اسرائيل. ويضيف هؤلاء المفتونون بقوى إيران العسكرية، أن إيران قادرة على غلق مضيق هرمز وقطع إمدادات النفط الخليجية عن العالم، وتحويل المنطقة إلى «جحيم»، فهذه القوة الإيرانية المتعاظمة هي التي سترهب أميركا وإسرائيل وتجعلهما يفكران ألف مرة قبل الإقدام على تهور جديد.
في المقابل يرفض القسم الآخر هذه المبررات ويسخر منها، وهو يرى أن إيران لا تخيف أميركا، وهي واهمة إذا صدقت نفسها في أنها بمناوراتها واستعراضاتها وتهديداتها تستطيع تخويف أميركا أو إسرائيل، فالأميركيون قادرون على تدمير الصناعات النفطية؛ والسيطرة الجوية الكاملة؛ وتدمير الحرس الثوري، وكما يقول د. عبدالعظيم محمود حنفي: «لا يشكك عاقل في إنزال هزيمة عسكرية قاسية بإيران في حالة أي مواجهة عسكرية. ويسخر الكاتب الكويتي د. حمود الحطاب من التهديدات الإيرانية في مقال بعنوان «تصريحات متكي، موتتنا من الخوف!»، نشر في «السياسة» الكويتية، يقول فيه: «يا متكي إذا ضُربت إيران فسيكسر جناحك وظهرك ورأسك، فكيف ستضرب 32 قاعدة وقلب إسرائيل أيضاً بعد أن تصبح كعصف مأكول؟ ماذا ستفعل بالبوارج الحربية وصواريخ كروز وطائرات «ستيلث»؟ ماذا ستفعل بقوة إسرائيل النووية وقواعدك مكشوفة أمام طائراتها الاستطلاعية؟ تقول إنك ستضرب القواعد، وهل القواعد هذه تنتظر ضربك لها؟ هل القواعد هذه أوكار حمام أو أقفاص دجاج؟».أما الكاتب الكويتي محمد زين العيدروس، فقد كتب مقاله بعنوان «تهديدات شهاب الدين!»، فقال: «من قبل هدد صدام بحرق نصف إسرائيل، والآن تهدد إيران بحرق إسرائيل كلها... وفي أيام المد القومي والثوري وأمجاد يا عرب أمجاد، هدد عبدالناصر بدفن إسرائيل في البحر! وكانت هذه عبارات عن شعارات كاذبة، قصد من ورائها دغدغة مشاعر الناس، والأسوأ من كل ذلك أن هؤلاء الزعماء أصحاب هذه الشعارات يعلمون أنهم لا يستطيعون هش ذبابة!».ولذلك يرى خبراء عسكريون أن إيران تبالغ وتخادع في إظهار قوتها، وتجربة الصواريخ الأخيرة تثبت أنها «صور» تم التلاعب فيها أو خِدع فيديو و«شهاب 3» ما هو إلا مجرد «سكود- سي»، ويعتقد الخبراء أن المناورات والاستعراضات والتهديدات مؤشر على الخوف والضعف، ويقصد بها توجيه رسالة قلقة إلى الداخل الإيراني المضطرب بسبب الفشل في التنمية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتردي الأوضاع وتدهور المعيشة وزيادة التذمر الشعبي، وكنوع من التغطية على الداخل وصرف الأنظار إلى الخارج.أما في ما يتعلق بقدرة إيران على غلق هرمز وقطع النفط عن العالم، فإن وفيق السامرائي، الخبير في الشؤون الأمنية يستبعد ذلك ويقول: «من وجهة النظر الأولية، تتمكن إيران من غلق المضيق لفترة معينة فقط، بسبب تفاوت توازنات القوى وعدم وجود ردع استراتيجي مقابل، وفضلاً عن تفوق القوات الجوية الخليجية تفوقاً ساحقاً على نظيرتها الإيرانية فإن مغامرة إعاقة إمدادات النفط سيكون المستهدف بها العالم كله، مما يقود إلى استخدام واسع للقوة التقليدية يفوق بحسم القدرات القتالية الإيرانية وأوضاعها الهشة، ولنا أن نتصور في حال تنفيذ التهديد، قيام القوات المحمولة الأميركية والمارينز باحتلال الضفة الشرقية للمضيق والجزر المهمة بعد شن ضربات جوية وصاروخية كثيفة على مفاصل الاتصالات ومراكز القيادة ومحطات الطاقة وقواعد الصواريخ والمواصلات الاستراتيجية لعزل المناطق الإيرانية عن بعضها، ثم إثارة روح التمرد في المناطق الإيرانية المتذمرة من النظام، وتحت الضغط الجوي والصاروخي تصبح احتمالات تفكك إيران أكثر بكثير، ولن تنجح إيران في تحريك أحد في المنطقة، لأنه سيكون يوماً يتخلى فيه الجميع عنها، وواحدة من نقاط ضعفها أنها بلا حليف، وما قيل إن إيران ستطلق في الدقيقة الأولى 11 ألف صاروخ، ليس إلا حسابات خيالية ساذجة، وان التخمينات التي تقول إن ضرب إيران يحول المنطقة إلى كرة من اللهب، لا أساس لها». والآن... دعونا نستعرض حجج مَن يرجحون الضربة، هؤلاء يقولون إنها دخلت حيز التنفيذ، وإن واشنطن أعطت إسرائيل «الضوء الأصفر» لضرب إيران، ومبرراتهم: فشل العقوبات في تخلي إيران عن مشروعها النووي، ورفضها القاطع أي حوار بشأنه، ولأن أميركا تريد تحجيم الدور الإيراني المتعاظم في المنطقة، وتريد نظاماً حليفاً في إيران مثل بقية دول الخليج. ويدلل هؤلاء على رأيهم بأن «التهدئة» الجارية على الجبهات الغربية السورية، واللبنانية، والفلسطينية، هدفها تهيئة ميدان المعركة القادمة في الخليج، وتحييد منطقة الشام أو «تبريدها»، هدفها ضربة إسرائيلية أميركية لإيران، لأن إسرائيل لا يمكن أن تسكت عن حصول إيران على النووي، مهما كانت الأكلاف. من الغريب أنه لا أحد من الفريقين، قد راهن على أن هناك «عقلاء» بين الطرفين المتنازعين سيحتوون الأزمة ويمنعون الكارثة!والأغرب، كما يقول الإعلامي القطري د. أحمد عبدالملك: «إن دول الخليج- وهي الهدف الأول لمرمى الصواريخ- لم تبدِ رأياً فيما يدور حولها»، ويظل المسؤولون في الخليج يرددون تصريحات مثل «نحن لا نؤيد ضربة عسكرية لإيران ولسنا طرفاً فيها»! ظناً أنها تعصم الخليج من ويلات الحرب إذا نشبت!وفيما عدا الكويت- التي شكلت فريقاً للطوارئ تحسباً لاحتمالات الحرب- فإن الدول الخليجية الأخرى لم تحرك ساكناً بعد! فهل الأمر لا يعنيها أم اطمئناناً بأنه لا حرب قادمة؟!إيران ستقبل سلة الحوافز السخية، وستعلق مشروعها النووي، الإغراءات كبيرة، وحكام إيران «أعقل» من أن يضيعوا الفرصة الثمينة، لقد رفضوا في البداية كنوع من التمنع وطلباً لمشاركة الطرف الأميركي في المفاوضات، وهم الآن يبدون ارتياحهم للمشاركة الأميركية، ونجاد- اليوم- يرحب بمكتب لرعاية المصالح الأميركية، ولا يستبعد محادثات مع واشنطن في سبتمبر المقبل حين حضوره اجتماعات الجمعية العامة.لقد سببت الحالة المتوترة في الخليج نزيفاً من الخسائر للبورصة الخليجية تقدر بـ20 مليار دولار، وقد آن للخليجيين أن يطمئنوا، و«يصيّفوا»، فإنه لا حرب مقبلة. * كاتب قطري