الحل يكمن في تجديد الحياة السياسية حتى يكون لدينا أعضاء مجلس أمة على درجة عالية من الوعي السياسي والحصافة والإدراك السياسي لكي يستطيعوا معرفة كيف، وأين، ومتى يستخدمون أدواتهم الدستورية، ويكون لدينا في المقابل حكومة مؤهلة وقادرة تستطيع أن تدافع عن خططها وأعمالها بقوة.

Ad

هناك قاعدة بيولوجية بسيطة مؤداها أن «الخلايا التي لا تتجدد تموت»، وهذه القاعدة العلمية تنطبق حتى على المؤسسات والشركات التجارية والأفراد، بل حتى على الأنظمة السياسية.

ولنا أن نتصور طبقاً لهذه القاعدة ماذا سيحل بأي نظام اقتصادي أو شركة خاصة لو لم يستجيبا للمتغيرات السريعة التي تحدث حاليا للاقتصاد العالمي من جراء ما يمر به من أزمة مالية خانقة؟ كما يمكننا، طبقا لهذه القاعدة العلمية فهم المتغيرات السياسية الكبيرة التي تحدث في العالم بدءاً من الولايات المتحدة حتى شرق آسيا، مروراً بالدول الأوروبية، مع الأخذ في الاعتبار بأن سرعة التغيير أو الاستجابة للتغيير قد تختلف من بلد إلى آخر ومن وقت إلى آخر، ولكنها سنّة الحياة، كما يقال، فلا يمكن أن يستمر الشيء على وضعه إلى الأبد، حتى في بلداننا العربية رغم بطء عملية التغيير فإنها عملية جارية رغم كل شيء.

والملاحظ، محليا، أن نظامنا السياسي الديمقراطي يعاني جموداً، وهو ما يتناقض مع القاعدة العلمية الآنفة الذكر، فالدستور أتاح لنا أطراً عامة مرنة بالإمكان العمل بها ومن خلالها لتطوير نظامنا السياسي الديمقراطي، ولكننا لم نقم، للأسف بذلك، بل بالعكس، فقد جرت محاولات عديدة لتخريب النظام الديمقراطي.

والآن بعد أن وصلنا إلى «سكة سد» فإن المطلوب أن نقوم بتجديد النظام السياسي الديمقراطي، فمن غير المعقول أن يعمل المجتمع في نفس الآليات الديمقراطية التي كان يعمل بها في ستينيات القرن الماضي.

إن تجديد الآليات الديمقراطية والقبول بالمتغيرات المترتبة عليها التي بيّنها الدستور ومذكرته التفسيرية هو من الضرورة الآن أكثر من أي وقت مضى، فالحكومة مثلا لا تمل التحدث عن قبولها للديمقراطية، ولكنها تجزع من استخدام الأدوات الدستورية التي يأتي من ضمنها الاستجواب.

كما أن الدستور يجيز استجواب رئيس الحكومة، ولكن الواقع السياسي يؤكد أن هناك «خطوطاً حمراء» أمام القيام بذلك تصل إلى حد التهديد بتعليق الدستور. فما العمل إذن؟ فمادام هناك مجلس أمة يراقب أعمال الحكومة وهناك وزراء ورئيس للحكومة فإن الاستجواب سيكون من ضمن الأدوات الدستورية التي من الممكن استخدامها.

الحل يكمن في تجديد الحياة السياسية حتى يكون لدينا أعضاء مجلس أمة على درجة عالية من الوعي السياسي والحصافة والإدراك السياسي لكي يستطيعوا معرفة كيف، وأين، ومتى يستخدمون أدواتهم الدستورية، ويكون لدينا في المقابل حكومة مؤهلة وقادرة تستطيع أن تدافع عن خططها وأعمالها بقوة، وتتحمل ما يترتب على ذلك أمام البرلمان والشعب، وتتقبل ما يتطلبه العمل السياسي الديمقراطي من مواجهات سياسية.

ليس هناك برلمان ديمقراطي حقيقي في العالم لا يستطيع استجواب رئيس الوزراء إن تطلّب الأمر ذلك، لذا فلا مناص من أن نقبل بما يتطلبه منا الدستور، وما يفرضه نظام الحكم الديمقراطي من متطلبات متجددة، ولا نلتفت إلى الدعوات المشبوهة التي تطالب بحلول خارج إطار الدستور لأن ذلك يعتبر دعوة سافرة للانقلاب على النظام الديمقراطي، وعودة إلى الانفراد في القرار، ورجوع إلى نظام السلطة الواحدة والرأي الأوحد، وهو نظام لم يعد له وجود في عالم اليوم.