نعم تجنيسهم مكسبٌ للكويت... يا هايف
النائب «الحضاري» محمد هايف لا يمر أسبوع دون أن يتحفنا بتصريح لتعزيز مشروعه ومشروع تياره في إنشاء الإمارة الطالبانية عبر مهاجمة كل ما له علاقة بالعصر ومظاهر الحداثة والحضارة، أو للرد على تصريح لصنوه على الجناح الثاني من جناحي الأصولية المعاصرة السيد محمد المهري.
آخر ما صرح به هايف هو مهاجمة الفنانين الذين حصلوا على الجنسية الكويتية، وقال «... في حين أن الفنانين اعتادوا ضرب الدف والطبل والرقص، فبالله عليكم مَن يستحق الجنسية العسكري الذي ضحى أم الفنان؟»... وعاد في تصريحه ذلك إلى أسطوانة «رفع علم الكويت في الحروب العربية»... ومع احترامنا لكل من ضحّى وخدم الكويت، وأحقيتهم في الحصول على الجنسية إن كانوا مستحقين لها، فإن هايف لا يعلم أن قوة تأثير الإعلام والإبداع الأدبي والفني توازي الجيوش إن لم تكن أكثر. وفي الوقت الراهن، فإن من أنجع وسائل العمل السياسي الدولي هي «القوة الناعمة» للدول التي يشرحها الكاتب الشهير جوزيف ناي الابن في كتابه «القوة الناعمة: معاني النجاح في السياسات الدولية»، بأن «قوامها نشر الأفكار والمعلومات ودعم قنوات البث الإذاعي والإرسال التلفزيوني والإنتاج الأدبي والفني وترويج سلع وخدمات وبرامج معلوماتية تخدم مصالح الدولة وأمنها»... وهو ما اُستخدم بالفعل لمواجهة المنظومة الاشتراكية، بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، التي سقطت دون حرب كونية مدمرة، بل ببضع إذاعات موجهة، وتسويق النظام القيمي والمعيشي الاستهلاكي الغربي عبر البرامج الدرامية والفنية. ومحلياً لدينا مثال واضح الدلالات، فخلال الغزو الصدامي للكويت فعلت ليلة غنائية على مسرح الأوبرا المصرية للفنانين عبدالله الرويشد وسعاد عبدالله في أوبريت «الليلة المحمدية» مالم تقوَ كل وسائل الإعلام الخارجي الحكومي على فعله، وأصبحت عبارة «بيتي... وبيقول بيتُه» التي تغنّى بها الرويشد في تلك الليلة تتردد على كل الألسنة المصرية وتصدح من مسجلات سيارات الأجرة في كل مكان، ليساهم ذلك في كسب تعاطف وتأييد أكبر شعب عربي في محنتنا تلك، ومساندتهم لقواتهم التي ستشارك في حرب تحرير الكويت ودعم قرار قيادته السياسية بهذا الشأن. وحتى لا نذهب بعيداً، فالشقيقة والجارة المملكة العربية السعودية وعت هذا الأمر مبكراً، لذلك كانت سباقة لمنح جنسيتها لمبدعين في مجالات متعددة مثل الفنانين محمد عبده خويا، وأبوبكر سالم بلفقيه، وعبدالرب إدريس الحضرمي، والأخير أثرى الأغنية الكويتية بألحانه الرائعة وخسرناه بعد التحرير بقرار عجيب، وهو الذي كُرِّم في مهرجان الجنادرية الأخير، ولاعب كرة القدم الأفريقي الشهير في سبعينيات القرن الماضي أمين دابو وغيرهم، وذلك لأن المملكة تدرك أن سجل الدول الحضاري الذي تفخر وتفاخر به، تسطر فيه أسماء الأدباء والمفكرين والمبدعين في الفنون، وهو ما كانت أيضاً تعيه الكويت قبل أن يختطف الأصوليون القرار فيها، وبدأته بمنح الجنسية لمتميزين من الفنانين والعلماء منهم البروفيسور د. جورج أبونا الذي أنشأ في بداية الثمانينيات مركزاً مميزاً لنقل وزراعة الكُلى في الكويت، وكانت له سمعة عالمية وضعت الكويت على خارطة البحث العلمي الطبي في هذا المجال بامتياز في تلك الفترة، ولكن للأسف دمر هذا المركز خلال الغزو. ولهذه الأسباب يسعى العالم إلى استقطاب المتميزين من المبدعين فنياً وعلمياً، ونقول للنائب هايف: نعم... إن منح الجنسية للفنانين والمبدعين هو إنجاز للكويت بين الأمم، ويمثل كسباً لمواطن صالح سيسهم في السجل الحضاري للكويت بين الدول، وهو أفضل ألف مرة ممََّن يُصرع في جبال تورا بورا أو يتحول إلى أشلاء في الفلوجة، ويلطخ سمعتنا ويجعلنا منبوذين ومشكوكاً في أمرنا وأمر نسائنا وأطفالنا في مطارات دول العالم وحدودها، ويؤجل البت في أمرنا لأسابيع أمام سفاراتها، كما أن الكويت ليست بحاجة إلى مزيد من بعض المزورين المندسين الذين يبحثون عن القسيمة والقرض وعلاوة الزوجية والأطفال والمعاش التقاعدي لا غير عبر الحصول على الجنسية.