حراثة في البحر!
لا شيء، كما يبدو، قد تغير والواضح ان طريق العلاقات الإيرانية-الأميركية لاتزال معبدة بالأشواك وممتلئة بالحواجز، فالمرشح سفيراً لبلاده في بغداد كريستوفر هيل قال في جلسة الاستماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ إن إيران لاتزال تمثل مشكلة حقيقية للعراق، وذلك في حين ان رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني قال في تصريحات أدلى بها في النجف الأشرف، التي وصل إليها في زيارة بدون علم الحكومة العراقية، إن الخلافات مع الولايات المتحدة عميقة وهي ليست بسيطة ولا عاطفية، ومن غير الممكن ان تنتهي ببعض المجاملات كالتبريك والمجاملة. وكان مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي قد ردَّ على التحية التي وجهها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الشعب الإيراني في مناسبة عيد "النوروز" بصفعة قوية عندما تحدث بجفاء وخشونة وقال إننا لا نريد ان نسمع أقوالاً... إننا نريد أن نرى أفعالاً وانه على الولايات المتحدة أن تجري تغييراً فعلياً في سياساتها ومواقفها تجاه الجمهورية الإسلامية.
وحقيقة ان الأميركيين قد فتحوا ملف التصالح مع إيران في الوقت الخطأ وفي اللحظة غير المناسبة، فموازين القوى في معركة تبادل عض الأصابع بين الطرفين هي الآن الى جانب الإيرانيين، سواء في العراق أو في أفغانستان أو في لبنان وسورية وفلسطين ودولٍ عربية أخرى، وكل هذا بينما هذه الإدارة الديمقراطية التي ورثت عن الإدارة الجمهورية السابقة تركة بائسة وعقداً يحتاج حلُّها الى ما هو أكثر من هذه المقاربات الساذجة التي تشبه ألاعيب أطفال في مدرسة ابتدائية غارقة في مشاكلها الداخلية والخارجية حتى "شوشة" رأسها. إن ما يريده باراك أوباما من إيران، وهذا يعرفه السيد مرشد الثورة تمام المعرفة، هو خطوط إمداد لقواته وقوات حلفائه التي تقاتل في أفغانستان في ظروف غير مريحة ومرشحة لأن تصبح صعبة وقاسية، فخطوط إمداد هذه القوات بدأت تغلق خطاً بعد الآخر في ضوء المناكفات الأميركية-الروسية والصراع المعلن الذي سببه الرئيسي أنابيب بحر قزوين التي تريدها موسكو في اتجاه معين وتريدها واشنطن في اتجاه آخر. ولهذا فإن الإيرانيين الذين يعرفون نقطة ضعف هذه الإدارة الأميركية ويعرفون أن باراك أوباما، بسبب الإرث الذي تركته له الإدارة السابقة، بحاجة إليهم أكثر مما هم بحاجة إليه يفاوضون من موقع القوة وهم يريدون ثمناً مجزياً لتلبية المطالب الأميركية الحقيقية، التي يغلفها الأميركيون بشروط يعرفون أن طهران لن تقبلها ومن غير الممكن أن توافق عليها. يريد الأميركيون من إيران التي تمسك بهم من الذراع التي تؤلمهم أن يوقفوا تدخلهم في العراق وفي لبنان وفي الشأن الفلسطيني، وأن يتخلوا عن تطلعاتهم النووية وعن إصرارهم على الدور القيادي الذي يريدونه ويشعرون أنهم يستحقونه في هذه المنطقة، وهذا غير متوقع وغير ممكن، بل من المستحيل أن تسلم به هذه الدولة التي تشعر أنها في وضعية الهجوم بينما الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها في وضعية الدفاع، ولذلك فإن المتوقع أن تكون كل هذه المحاولات الأميركية مجرد حراثة في البحر، وأنها لن تفلح في إحداث أي تغيير في معادلة القوى الحالية في هذه المنطقة.كاتب وسياسي أردني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء