محاولة التأجيج والتثوير في الطريقة التي صيغ بها هذان الخبران واضحة وضوح الشمس، ولن يفيدني أن أدخل في محاولة تفسير نوايا من خلفهما، ولا أملك كذلك أن أقول إن ما قاموا به غير قانوني، لكنني أستطيع أن أقول وبكل ثقة إن ما قاموا به بعيد كل البعد عن أخلاقيات المهنة الصحافية!

Ad

قصتان نشرتهما الصحف أخيرا، وأخذتا بالتبعية، وكالعادة، حاصلهما من الانتشار الإعلامي والتصعيد: القصة الأولى، قصة الأولاد الذين تسللوا للسباحة في الشاطئ المواجه لشاليه وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد. والقصة الثانية، هي قصة الجنين الذي فصل رأسه في مستشفى الجهراء أثناء عملية توليد أمه.

من قرأ الخبرين وتابعهما، ونظر إلى الطريقة التي صيغا بها، لن يشم أو يلمس تلك الاستفزازية الواضحة والإثارة الفجة التي حقنت في هذه الأخبار بشكل مقصود ومبرمج فحسب، بل ستصفعه في وجهه.

نعم، يمكن أن أفهم رغبة الصحف في التسابق على نشر الأخبار الحصرية، بغية زيادة التوزيع والفوز بالعدد الأكبر من القراء، وأستطيع أن أبلع الطعم الحارق لبهارات الإثارة التي تصاغ بها الأخبار لزيادة جاذبيتها، ولكن ما يثير الغثيان حقا أن يأتي كل الخبر مصبوباً في قوالب الإثارة والاستفزاز، ويتزايد الغثيان عندما يحصل ذلك في ظل ظروفنا السياسية المليئة بالأزمات، والتي تكاد تكون مختطفة بالكامل للانفعالات وردود الأفعال غير العقلانية، لأنه حينها سيشير ولا شك إما إلى قلة الوعي وإدراك نتائج الأفعال، وهذه ستكون مصيبة كبيرة إن كانت موجودة في القائمين على وسائل الإعلام، وإما إلى قلة التحلي بروح المسؤولية وهذه مصيبة أشد وأعظم!

ما كنت لأدافع في القصة الأولى عن وزارة الداخلية ووزيرها، وما كنت لأبرئهما من سوء التصرف إن ثبت حقاً وجود تعسف في التعامل مع أولئك الأحداث، ووزارة الداخلية في نهاية المطاف، ككل الوزارات الأخرى، مؤسسة يديرها بشر يحتمل منهم الأخطاء حتى الشديدة منها، وتجب محاسبة المخطئين فيها، ولكنني أستهجن الطريقة التي صيغ بها الخبر وإظهاره، وكأن قوات الشرطة انتفضت لحماية الممتلكات الخاصة بوزيرها لمجرد أنه معالي الوزير، وأنها ما كانت ستفعل ذلك لغيره، وأيضا أستنكر إظهار الأمر وكأنه استهداف لأبناء قبيلة بعينها لمجرد أن الأحداث المقبوض عليهم من أبناء تلك القبيلة!

وما كنت كذلك لأدافع عن وزارة الصحة في القصة الثانية، فسجلُّ مقالاتي حافل بالانتقادات الشديدة لهذه الوزارة على كل مستوياتها، لكنني أستهجن هذه الطريقة الدرامية التي صيغ بها الخبر، فجعل وكأن مستشفيات الكويت قد صارت «مسالخ» بشرية تقطع بها الرؤوس، وتتناثر الأشلاء على يد أطباء من المجرمين غير المؤهلين.

لست أحاول إنكار أي جزء من هذه القصة بالذات، ولست أحاول الدفاع عن أي من المتهمين، ولست في وارد التشكيك بصدق أحد من الشاكين، بل أتعاطف كثيرا مع العائلة المنكوبة بفقد جنينها، وأسأل الله لهم الصبر والأجر، لكنني أرفض هذه الطريقة «التابلويدية» الفضائحية في التناول، والتي لن تفضي إلى شيء. وكلنا يذكر قصة الأخطاء الطبية في مستشفى العدان تلك التي تناولتها إحدى الفضائيات والصحف بشكل تأجيجي، لتنتهي إلى لا شيء تماما كما تنتهي إليه مسلسلات الإثارة بلا قيمة فعلية، ولا نتيجة على أرض الواقع!

محاولة التأجيج والتثوير في الطريقة التي صيغ بها هذان الخبران واضحة وضوح الشمس، ولن يفيدني أن أدخل في محاولة تفسير نوايا من خلفهما، ولا أملك كذلك أن أقول إن ما قاموا به غير قانوني، لكنني أستطيع أن أقول وبكل ثقة إن ما قاموا به بعيد كل البعد عن أخلاقيات المهنة الصحافية!