ما قل ودل: إساءة استخدام الحق في الاستجواب

نشر في 23-03-2009
آخر تحديث 23-03-2009 | 00:00
 المستشار شفيق إمام تكرار حل مجلس الأمة في السنوات الأخيرة بسبب ما أثارته الاستجوابات من أزمات سياسية متتالية، يبعث علي المطالبة بوضع ضوابط جديدة للاستجواب، كإحالته إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لتحقيق الوقائع الواردة بالاستجواب ومناقشة الوزير والعضو فيها قبل المناقشة العامة للاستجواب على المنصة، على غرار ما هو مقرر من اختصاص هذه اللجنة، بدراسة طلبات رفع الحصانة القضائية عن الأعضاء للتحقق من جدية الاتهام.

في الكلمة التي وجهها صاحب السمو أمير البلاد الى المواطنين، والتي أعلن فيها حلّ مجلس الأمة، يقول صاحب السمو:

«ولعلكم أيها الإخوة تابعتم وتتابعون طبيعة وظروف وملابسات استخدام الاستجوابات والتهديد بتقديمها تحت مختلف الحجج والذرائع وما انطوى عليه ذلك من خروج عن المقاصد السامية التي استهدفها الدستور وانصراف عما ينتظره المواطنون من إنجازات حقيقية تلبي حاجاتهم الفعلية ومعالجة قضاياهم المهمة.

وبعيداً عن الاعتبارات الدستورية والقانونية المتعلقة بتلك الاستجوابات ومدى انطباق الضوابط القانونية بشأنها، فهل من المستغرب أن يتساءل المواطن عن طبيعة تلك الاستجوابات والممارسات وغاياتها الحقيقة وعما إذا كانت تصب فعلياً في مصلحة الوطن وعما اذا كانت تحقق أهداف من شرعها؟»

وفي سياق ما قاله صاحب السمو من خروج استخدام الاستجوابات عن المبادئ السامية التي استهدفها الدستور، فإنه من المقرر في الفقه الإسلامي أنه لا يجوز أن يُبتَّر الحق عن غايته أو يُجرَّد من المصلحة التي شُرع لها، أو أن يُتخذ وسيلة لتحقيق غرض آخر، ينافي غرض المشرع فيما رسمه من غاية أو مصلحة، وأنه إذا لزم من تحصيل المصلحة المشروعة نتائج ضررية، فقد وقع التناقض مع قصد المشرع بما يُبطل العمل ولو كان في أصله مشروعاً.

وقد جسَّد القانون المدني الكويتي أحكام نظرية إساءة استخدام الحق فيما نصت عليه المادة (30) من أنه «يكون استعمال الحق غير مشروع إذا انحرف به صاحبه عن الغرض منه أو عن وظيفته الاجتماعية». وعددت هذه المادة بعض الصور التي يعتبر استعمال الحق فيها غير مشروع؛ في الحالات التي لا يقصد بها الشخص سوى الإضرار بغيره، أو كانت المصلحة التي تترتب عن استخدام الحق غير مشروعة، أو لا تتناسب البته مع الضرر الذي يلحق الغير، أو كان من شأن استخدام الحق إلحاق ضرر فاحش غير مألوف بالغير.

ومن ثم فهي نظرية تشمل الحقوق كافة، ومنها الحقوق الدستورية، بل وتزداد الحاجة إلى إعمال هذه النظرية في صدد استخدام الحق في الاستجواب لجملة اعتبارات منها:

1- أن الإسراف في استخدام حق الاستجواب وانطلاقه باعتباره حقاً فردياً دون أي قيود أو ضوابط يترتب عليه نتائج ضررية تتمثل في شغل مجلس الأمة وشغل الحكومة بكل وزرائها عن مهامها الأساسية في تحقيق الخير العام للوطن والمواطن، وهو ما نبه إليه صاحب السمو.

2- أن هيبة الدولة من هيبة الحكم، وهيبة الحكم من هيبة الوزراء، وأن مجرد تقديم الاستجواب، حافلاً بالاتهامات المرسلة والعبارات الإنشائية التي تنطوي على مساس بكرامة الوزير وبكرامة المسؤولين، ينال من هيبة الوزير المستجوَّب ومن هيبة الحكم ومن هيبة الدولة.

3- أن الاستجواب هو أهم وأخطر وسائل الرقابة البرلمانية، لأنه يحمل اتهاماً للوزير بالإخلال بواجبات وظيفته، أو التقاعس، أو الاهمال في أدائها، أو التقصير في الإشراف على مرؤوسيه، وقد يصل الاستجواب إلى اتهام وزير بارتكابه إحدى جرائم القانون العام، وقد ينتهي الاستجواب إلى طلب سحب الثقة من الوزير، وقد تتضامن الحكومة معه وتقدم استقالتها.

4- أن المساءلة السياسية لا تقل خطورة عن المساءلة الجزائية، بل قد تزيد عنها، بما يستوجب تطبيق المبادئ الدستورية فيما يتعلق بالمسؤولية الشخصية أو بقرينة البراءة لتوفر الحكمة ذاتها، بل بدواع أقوى وأشد إذا انتهت المساءلة السياسية إلى إدانة الوزير وطرح الثقة به واعتزاله المنصب الوزاري، بما يمس سمعته، وربما إلى نهاية عمره، وقد ينتهي عمله العام، فلا يعود إليه أبداً، بعكس المحاكمة الجزائية التي تسمح لمَن أُدين فيها أن يرد اعتباره بعد فترة من الوقت، فضلاً عما تنعكس إدانه الوزير على المصالح الأساسية للدولة من ضرر.

ولهذا تحيط الدساتير واللوائح البرلمانية الاستجواب بما يناسب خطورته من ضوابط أو ضمانات، ومن بينها ما نصت عليه المادة 134 من الدستور من حظر تضمين الاستجواب ما يمس كرامة الأشخاص أو الهيئات أو الإضرار بالمصلحة العليا للبلاد.

ولعل الممارسات البرلمانية العديدة، التي أصبحت تؤدي إلى عدم استقرار الحياة الديمقراطية والبرلمانية في الكويت، بتكرار حل مجلس الأمة في السنوات الأخيرة بسبب ما أثارته الاستجوابات من أزمات سياسية متتالية، ما يبعث علي المطالبة بوضع ضوابط جديدة للاستجواب، كإحالته إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لتحقيق الوقائع الواردة بالاستجواب ومناقشة الوزير والعضو فيها قبل المناقشة العامة للاستجواب على المنصة، على غرار ما هو مقرر من اختصاص هذه اللجنة، بدراسة طلبات رفع الحصانة القضائية عن الأعضاء للتحقق من جدية الاتهام، وإعداد تقرير بما ينتهي إليه رأيها في وقائع الاستجواب، ليكون تحت نظر الأعضاء عند مناقشته، وعند تقرير الإذن برفع الحصانة من عدمه.

back to top