Ad

يبدو أن هوس ملاحقة الفنانين والمشاهير امتد إلى ملاحقتهم في مثواهم الأخير... إلى مقابرهم. لم يعد غريباً أن يدفع أحدهم 250 ألف جنيه مصري كي يشتري مقبرة تجاور مقبرة سعاد حسني أو أحمد زكي أو عادل إمام في مقابر مدينة 6 أكتوبر (تبعد 40 كلم عن القاهرة)، والتي ارتفع ثمنها بصورة لافتة وأصبحت تنافس أسعار الشقق في الأحياء الراقية بالقاهرة!

بعض من متوسّطي الحال سكن قرب هذه المقابر لعل وعسى تزداد مساحة الأخيرة وتدخل مساكنهم ضمنها، فترتفع أسعارها بصورة خيالية فيغتنون. والبعض الآخر تطلع الى شراء مقبرة صغيرة لا تتجاوز مساحتها المتر، فربما تتحول إلى «مقبرة خمس نجوم» لاحقاً.

بدأت الظاهرة في الانتشار حين قررت الحكومة المصرية تخصيص منطقة صحراوية على حدود مدينة 6 أكتوبر لتصبح مقابر بديلة عن تلك الموجودة في وسط القاهرة، والتي زحف عليها العمران، وارتفع منسوب المياه الجوفية فيها، بالإضافة إلى أنها أصبحت مزاراً إسلامياً وقبطياً، وصنفتها منظمة «اليونيسيف» تراثاً عالمياً من الواجب الحفاظ عليه، ناهيك عن أنها أصبحت عُرضة لسرقة الجثث منها.

وكان الإعلان عن تخصيص منطقة جديدة للمقابر فرصة سانحة لنجوم الفن ورجال الأعمال لشراء مقابر لهم يدفنون فيها، ما فتح باب الزرق على مصراعيه أمام المتاجرين بـ»الآخرة» من السماسرة والمقاولين، فراحوا ينشرون بين الحين والآخر إعلانات في الصحف وقنوات التلفزيون عن وجود تصاميم جديدة للمقابر لكل من ليست له مقبرة بحسب المواصفات التي يريدها ووفقاً لإمكاناته المادية، حتى أنه يستطيع اختيار جيرانه في المقبرة!

أثار الإعلان شهية المشاهير فسارعوا إلى الحجز، وأحضر بعضهم كبار المهندسين الإنشائيين ليبتكروا له مقابر فخمة تليق به في الآخرة، ويبتعد بذلك عن المقابر القديمة التي يجتمع فيها الغني والفقير.

رخام فاخر

المقابر محاطة بسور من الأحجار والرخام الفاخر، ومدهونة بألوان مختلفة وتتوافر فيها مياه وكهرباء وقاعات استقبال، وأخرى خاصة بالسيدات، ومساحات خضراء، وغرفة لإعداد المشروبات، وساحات لانتظار السيارات.

يقول أحد المسؤولين عن حراسة المقابر ويدعى عبد المتجلي طه: «يختلف سعر كل مدفن باختلاف موقعه ومساحته. الموقع المميز يجاور مقابر النجوم والمشاهير، أو رجال أعمال وأثرياء، أما بالنسبة إلى فئة النجوم فعدد المقابر الخالية للبيع قليل جداً، بالإضافة إلى أنني لا بد من أن آخذ موافقة الجيران قبل البيع وهو عُرف سائد في المنطقة، أما منطقة رجال الأعمال فمتاحة لمَنْ يدفع أكثر».

حول الأسعار يوضح طه: «يصل سعر المتر في المنطقة (بجوار مقابر الفنانين والمشاهير) إلى سبعة آلاف جنيه شاملاً حديقة المدفن والاستراحات الموقتة، أما في المناطق الأخرى فيتراوح السعر بين الأربعة والخمسة آلاف جنيه، قبل «التشطيب» الذي لا بد من أن يكون بحسب نظام كل منطقة وتحت إشراف هندسي، وعلى صاحب كل مدفن دفع حوالي 500 جنيه شهرياً للحراسة وفواتير الكهرباء والمياه والنظافة وتنسيق الحديقة، علماً أن المدافن كافة موّحدة بمساحتها وتختلف في حجم الاستراحات فحسب، وأقل مساحة للمدفن الواحد 50 متراً».

يضيف طه: «ثمة مدافن لكبرى العائلات المصرية ولأشهر نجوم السينما، وكرة القدم والغناء والسياسة. هنا مثلاً، سيرقد الفنان عادل إمام وهنا سيدفن الفنان أحمد راتب، أما هنا فسيكون المثوى الأخير للفنان حسين فهمي وشقيقه مصطفى فهمي، وهناك دُفن أحمد زكي، ومعه ممدوح وافي الذي طلب من زكي أن يُدفن في مقبرته، وهنا دُفن مايسترو الكرة المصرية والنادي الأهلي الكابتن صالح سليم، وقبر الفنان سيد مكاوي، وفريد الأطرش الذي نُقلت رفاته من مقابر السيدة عائشة بوسط القاهرة بناء على طلب أهله بسبب تعرّض مقبرته لتصدّعات، وهنا أيضاً مقبرة الفنانة الراحلة سعاد حسني، والتي كانت أول فنانة تُدفن في المنطقة».

فتنة مستقبليّة

عن رأي الدين في هذه الظاهرة تقول د. آمنة نصير (أستاذة العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر): «لا مانع أن يشتري المرء مقبرته وهو ما زال حياً يُرزق، فبذلك امتثال لقول الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله) «لا بأس أن يشتري المسلم موضع قبره، ويصي أن يدفن فيه». وهذا ما فعله الخليفة عثمان بن عفان، وعمر بن عبد العزيز، وزوجة الرسول عائشة، لكن الإسلام نص على استحباب الدفن في المقابر العامة، كي يصيب المتوفى بعض الدعاء من زوار هذه المقابر، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يدفن أصحابه في المكان نفسه أو بجوار مقابر الشهداء والعلماء حتى تصيبهم نفحات الرحمة من الله».

تحذر د. نصير من تخصيص مقابر بعينها لأشخاص، لأن الإسلام لم يشرع الدفن في أرض أو مقبرة خاصة لأنها ذريعة للفتنة بين المسلمين وهي أحد أخطر أنواع الرياء والافتخار في الدنيا وتصيب صاحبها بالكبر. كذلك نهى الرسول تشييد القبور موضحاً أنه إحدى علامات يوم القيامة.