وجهة نظر : انفجار

نشر في 04-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 04-09-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين يقول النجم الكبير نور الشريف: «استمرّ نجوم جيلي في مواقعهم كنجوم وقتاً طويلاً في تاريخ السينما المصرية... كان ذلك في الحقيقة على حساب نجوم أجيال تالية، لم تأخذ فرصتها وضاع عليها حقها».

ولأن الشريف مثقف ويتمتع بوعي ومقدرة على التحليل، يقول هذا الكلام بكل صراحة ووضوح... وما قاله هو الحقيقة فعلاً. بدأ جيل الشريف في أواخر ستينات القرن الماضي، وزميلاه محمود ياسين وحسين فهمي، بالإضافة إلى عادل إمام الذي صعد إلى مكانة نجم الكوميديا الأول من دون منافس، لحق بهم محمود عبد العزيز وأحمد زكي، ودخل في الصورة إلى جانب هؤلاء، كأبطال في عدد أقل من الأفلام، عزت العلايلي ويحيى الفخراني وفاروق الفيشاوي، ولم يلبث أن أُغلق الباب ولم يدخل لاحقاً إلا محمود حميدة كنجم مهم، وظل ممدوح عبد العليم يدق على الباب الموصد بعنف مع هشام سليم، وبدرجة أقل أحمد عبد العزيز... لكن الباب الموصد لم يُفتح، فقد أُحكم إغلاقه وظل نجوم «آخر الستينات – أول السبعينات» ومن لحق بهم، يتربعون على عرش النجومية لثلاثة عقود، لا ينافسهم منافس.

كان الأمر نفسه بالنسبة إلى الممثلات. ولدت نجومية ميرفت أمين ونجلاء فتحي في لحظة مولد نجومية الشريف وياسين وفهمي، واقتصرت النجومية بعد ذلك، أو تقاسمتها، نبيلة عبيد ونادية الجندي، إلى جانب ليلى علوي ويسرا، وبالكاد دخلت إلهام شاهين، مع نجومية أقل أو بطولات أقل لأفلام بالنسبة الى آخريات في بعض الفترات... وتوقف السماح بالدخول عند هذا الحد. طال المقام بهؤلاء النجوم والنجمات في مقاعد النجومية والانفراد بها، وأدى ذلك أحياناً إلى «لحظات» مضحكة أو ربما تدعو إلى الشفقة، إذ رأينا بعضهم أحياناً في مقاعد الطلبة في الجامعة بل حتى في فصول المدارس الثانوية، يؤدون أدوار التلامذة وهم على مشارف الخمسين أو حتى تجاوزوها.

في أواخر عقد التسعينات، حدث ما يمكن أن نطلق عليه «انفجار الوجوه الجديدة» في السينما المصرية... وهو انفجار بدا فجائياً، لكنه جاء في الحقيقة نتيجة تراكم طويل، من أوضاع غير طبيعية، لا تتوافق مع طبيعة أو منطق الأمور. ليس معنى ذلك أي مفاضلة بين وجوه قديمة أو جديدة، فليس هذا موضوعنا ولا هو المقصود، بالإضافة الى أن كل موجة تحمل مستويات متباينة في الموهبة والقدرات، لكننا نقول إن الانفجار كان حتمياً.

الحق أنه، كما يجب الإستفادة من خبرات القدامى والكبار في السياسة والاقتصاد والتربية ونواحي الحياة العامة، من دون احتكار من الوجوه القديمة، من الضروري الإستفادة من خبرات المخضرمين والكبار في الفنون. تلك كانت حال السينما المصرية دوماً، ففي كل مراحلها أفسح الممثلون والنجوم السينمائيون القدامى أمكنة كافية للجدد إلى جوارهم، ويضطلع الجدد بالبطولات الجديدة وتُتاح مساحات مهمة للكبار والمخضرمين إلى جوارهم بل ويُحتفى بهم باستمرار...

إنه لقاء الأجيال على شاشة السينما... اللقاء الضروري والطبيعي والمفيد للجميع، خصوصاً للفن والجمهور. لذلك، كما ذكرنا سابقا، يعتبر من التحولات اللافتة والمفيدة في السينما المصرية، إن رأينا يسرا إلى جانب منى زكي في فيلم «دم الغزال»، نور الشريف إلى جانب أحمد عز في فيلم «مسجون ترانزيت»، محمود حميدة إلى جانب أحمد حلمي في فيلم «أسف على الإزعاج».

لم يكن سوياً ولا مفيداً انفراد نجوم جيل واحد ولمدة تقارب ثلاثة عقود، ما أدى إلى ملل وركود، أفضى من ثم إلى انفجار.

بالقدر نفسه ليس صحياً ولا مطلوباً إقصاء جيل جديد، يظهر في هذا الانفجار الغاضب، للمخضرمين كلهم.

لا هذا وضع طبيعي ولا ذاك.

إنما من الضروري أن تتكاتف الأيدي والهامات وتتضافر المواهب والكفاءات، في كل جيل، بهدف خلق فن جميل، يمتع وينفع.

back to top