الهكرز صعاليك العصر
في أغلب المقابلات التلفزيونية أو الإذاعية أو الصحافية التي يجريها الأحبة معي، كثيراً ما يطرحون السؤال التالي:
أين الصعاليك الآن؟! فأقول لهم: إنهم ينبثقون من الأرض مثل الشجر، يتنامون شيئاً فشيئاً، ويسمون حد السماء، يعصرون الغيوم، ليهمي المطر؛ فيسقي عروقهم المتشبثة بالصخر منذ الخليقة، كي «يطرحوا» لكل الجياع بالثمر. نعم... هكذا هم الصعاليك، ينبثقون من كل زمان وكل مكان، ينبثقون من الصحاري الميتة والقرى النائية والمدن الهائلة، وينبثقون من الرمل والصخر والكونكريت، ينبثقون من شرفات الجبال، ومن ساحل البحر، من طرقات البوادي أو من فجاج البراري الفساح، أو من الأرصفة. يحملون سيوفهم في الزمان القديم، ويبرون أقلامهم اليوم مثلما كان أجدادهم يبرون أقواسهم، يعزفون على وتر السهم -قبلا- مثلما يعزفون على مفاتيح حواسيبهم اليوم. كان مبدؤهم في الزمان القديم الخروج على خزعبلات القبيلة ومقاومة الحيف والظلم والتفرقة، والتفرد بالشعر والتمرد على القيد، ونهب أموال البخلاء وإعطاءها فقراء البوادي، أوفياء للأصدقاء، كرماء مع المعوزين، ينصرون الضعيف والطفل والكهل والمرأة العاجزة. هكذا هم الصعاليك قبلا واليوم، حينما جردتهم الدول الحديثة من الأسلحة، امتشقوا أقلامهم وتدرعوا بالوعي وتزودوا بإبداعهم الصعب لقتال البشاعة والقبح بسلاح الجمال النقي. صحيح لقد كانوا «يقطعون» الدروب على السابلة، ينهبون القوافل ويغزون فردا ففردا على مضرب القوم، وينهبون ما يقع بين أيديهم لتوزيعه بالتساوي على بعضهم!! كقولهم: إذا ما غنمنا مغنماً صار قسمة ولم نتبع رأي الشحيح المتارك لذلك كانوا «يعتاشون» بالسيف كقول أحدهم: ومن يفتقر منا يعش بسلاحه ومن يفتقر من سائر الناس يسأل أما اليوم... وحينما طوقت الصعاليك المدن وأصبح العالم «قرية كونية» فها هم يتجولون عبر الكون يبثّون إبداعهم ويغزون أعداءهم في مضاربهم الإلكترونية عبر صحرائهم العنكبوتية الجديدة؛ لذلك لا عجب أن يتحولوا اليوم إلى «هكرز» يغزون مواقع العدوان الصهيوني، ويدمرون سمومهم القاتلة، ثم إن الصعاليك انتقلوا من الأرض نحو الفضاء، يتصعلكون فيه ويتواصلون مع أقرانهم الصعاليك في كل أرجاء الأرض، ويتبادلون معهم المعرفة والوعي والإبداع؛ لذا فإن الصعاليك اليوم هم «الهكرز» وكل الشباب المبدعين في العالم هم الصعاليك الجدد الذين «ينهلون» ثقافتهم من «غدير» الثقافة الكونية الذي يقع على حواف قرية العالم الكبير. *** أما بالنسبة إليّ -كصعلوك من القرن الماضي- فقد وهنت يداي وعجزت همتي عن «التأبد»، والتصعلك في شعاب المعرفة الجديدة، ولم أعد أحسن استخدام سلاحكم اليوم «الإنترنت»، كما دنت الخطوات وتدانى البصر، ولكن الذاكرة من حديد، والعقل مع كل ما هو جديد؛ فسيروا أيها الصعاليك في أرجاء هذه الصحراء الأممية التي لا تُحدّ... والله يحفظكم. التوقيع صعلوك من القرن الماضي