نستيقظ كل يوم على خبر منع هذه الفنانة اللبنانية أو تلك من الغناء في بلد عربي معيّن وكأن لبنان، بلد الفن والجمال، الذي رفع من مستوى الفن العربي وساهم في انتشاره عالميًّا من خلال فيروز ووديع الصافي وصباح وغيرهم، أصبح راهنًا موطنًا للفن الهابط ومصدّرًا للإثارة وهادمًا للفكر العربي. الحقيقة أنه لو أيقنت البلاد العربية الكوارث الفنيّة لديها من مغنّيات لا يصلحن إلا أن يكنّ نجمات إغراء أو عارضات أزياء، لما تجرّأت على اتخّاذ قرارات عشوائية مشابهة تخلط فيها بين الفنان الجيّد والسيئ، وتتسرع في منع دخول الفنانات اللبنانيات إليها بعد اتهامهن طبعًا بالإثارة وتحريك الغرائز وتشويه صورة الفن العربي. الغريب أن لبنان لم يتّخذ ولو لمرّة واحدة قراراً من هذا النوع وأبقى أبوابه مشرّعة أمام الفنانين العرب على اختلافهم، وشكّل نقطة الانطلاق الأولى لهم وباب الخير للكثيرين.
أثار الخبر الذي تناقلته الصحف حديثًا عن القرار الذي أصدره نقيب الموسيقيين المصريين منير الوسيمي بمنع المطربة اللبنانية كارول سماحة من الغناء في مصر، ذهول اللبنانين والنقاد، وذلك بعد اتهامها بتقديم ما وُصف بأنه «وصلة من الرقص الساخن» خلال حفلة لها على شاطئ «لابلاج» في منتجع مارينا الساحلي في مصر منذ أسبوعين، بمشاركة راقص لبناني شهير يدعى جو صقر. وما هي إلا أيام حتى خرجت كارول عن صمتها إزاء الاتهامات التي وُجهت إليها، وأشارت إلى أنها لم ترقص بطريقةٍ تثير الغرائز ولم تخرج عن قواعد الآداب العامة خلال الحفلة، كاشفة في بيان صادر عن مكتبها الإعلامي أن نقيب الموسيقيين المصريين منير الوسيمي تراجع عن قراره بمنعها من الغناء في مصر، وستعود لمزاولة نشاطها الفني فيها، وأنها التقت الوسيمي لتوضيح الحقيقة، خصوصاً أنهما يتبادلان كل الاحترام والتقدير. الحقيقة أن سماحة قدمت على مسرح «لابلاج» رقصة «التانغو» اللاتينية المشهورة، وهي من أرقى رقصات الصالون المعروفة الخطوات عالميًّا، بمنتهى الاحتراف والرقي من دون أن تخترع أو تضيف أي خطوة جديدة أو خاصة.
ما حصل يثبت صحة أن القرارات التي تتهم الفنانات اللبنانيات بالإثارة والعري هي عشوائية، فسماحة ابنة المسرح الرحباني وقدّمت أجمل الأعمال المسرحية واستحقت لقب الفنانة الشاملة وأفضل مطربة عربية للعام 2008، ولا يصحّ مكافأتها في مصر بتلك الطريقة وهي التي أدّت اللهجة المصرية وتميزت بها وأحبها الشارع المصري من خلالها.
هل أثار النجاح الاستثنائي لسماحة هذه السنة، خصوصًا في مصر، غضب كثر هناك كونها لبنانية، فسعوا الى تحجيمها علّهم بذلك يحدّون من انتشار الفنانات اللبنانيات؟
في حديث صحافي تساءلت سماحة: «لطالما تابعنا في الثمانينات عروض فوازير نيللي وشريهان وكانتا تؤديان رقصات يرفعهما فيها الراقصون في الهواء... فما الذي يحدث الآن وهل أصبح الاستعراض يثير الاستهجان؟»
لا شك في أن هناك مغنيات لبنانيات كثيرات وغيرهن من الجنسيات المختلفة شوّهن صورة الفن العربي أمثال بوسي سمير وروبي ودانا ونانا ونجلا وغيرهن، لكن هل يصح أن نخلط الحابل بالنابل؟
لم يفت وقت طويل على الدعوى التي قدّمها الموزّعان المصريان أحمد إبراهيم وكريم عبد الوهاب إلى نقابة الموسيقيين المصريين ضد إليسا على خلفية عدم إعطائهما حقهما المعنوي والمادي في ألبوم «أيامي بيك»، مؤكدين أنهما سيلجآن إلى القضاء في حال عدم تحصيل النقابة حقهما كاملا، وأنهما سيطالبان بمنعها من الغناء في مصر. وقد نفى نقيب الفنانين ما أشيع حول منعه إليسا من الغناء في مصر بعد شكوى الموزعين المصريين، ليقطع الطريق على الإشاعات والتكهنات التي تناقلتها الصحف المصرية سريعًا حول منع إليسا من الغناء في مصر. يذكر أن الأخيرة حازت على جائزة أفضل مطربة عربية من قبل نقابة الموسيقيين المصريين بعد منافسة شديدة بينها وبين نانسي عجرم وشيرين لمدة أربعة اشهر، ما يؤكّد نجومية الفنان اللبناني وتمتّعه بمحبة العالم العربي أجمع.
ضمن هذا الإطار، جرت محاولة سابقًا لمنع الفنانة هيفاء وهبي من الغناء في مصر على اثر اتهامها بمهاجمة الصحافة المصرية عبر تصريحات مستفزة حسب ادعاء البعض.
لا أحد ينسى منع الفنانة اللبنانية مادونا من دخول مصر أيضاً، لفترة طويلة، من دون معرفة الأسباب الحقيقية لهذا المنع حسب تصريحاتها المستمرة. كذلك أثار قرار نقيب الفنانين السوريين السابق صباح عبيد منع كل من اليسا وهيفاء ودومينيك ودانا من الغناء في سوريا الدهشة وتصدّر قراره شاشات التلفزة وصفحات المجلات، إلا أنه لم يمض وقت طويل حتى صدر قرار بإقصائه من منصبه واستبداله بآخر.
يتراجع المستوى الغنائي بشكل واضح، فلم يعد هناك مكان للفن الأصيل وسيطرت «التنورة» على الشاشة، لذلك بات من الضروري الحد من هذا الفن الهابط الذي يدفع أجيالنا إلى أن يتربوا على عبارات «الواوا» و{حط النقط على الحروف قبل ما نطلع سوا على الروف»، لكن هل من المنطقي استمرار اتخاذ قرارت منع عشوائية من قبل دول صديقة للبنان؟ وهل من المقبول تحميل الفنانات اللبنانيات دائمًا مسؤولية تدهور الذوق الفني واتهامهن المباشر في تحريك غرائز الناس؟