أحرز ليون الإفريقي شهرته بين قراء العربية بفضل رواية الكاتب اللبناني أمين معلوف التي حملت ذات الاسم, خاصة بعد ترجمتها إلى اللغة العربية.

Ad

أما هذا الإفريقي الذي عرف في الكتابات الأوروبية خلال العصور الوسطى بأنه مسلم دخل في دين النصرانية بل وفي خدمة كرسي الباباوية فهو "الحسن بن محمد الوزان” وأصله من مدينة غرناطة الأندلسية حيث ولد بها قبيل سقوطها بأيدي ملوك قشتالة من نصارى إسبانيا, واستقر به المقام في مدينة فاس حيث عاش وتلقى علومه الدينية في جامعتها الشهيرة القرويين.

وشاء الحظ العاثر لهذا الغرناطي, أن يشن فرسان المعبد غارة على فاس انطلاقاً من قاعدتهم في جزيرة مالطا فوقع أسيراً في أيدي الصليبيين, و أخذوه إلى روما, وهناك أظهر الحسن الوزان اعتناقه لدين النصرانية بعد اتصاله بالبابا ليو العاشر الذي شجعه على الدراسة والبحث ومنحه جزءاً من اسمه النصراني الجديد «جان ليون».

وعاش الوزان سنين طويلة في روما كان خلالها موضع تقدير البابا وعنايته بفضل إلمامه بالعربية واللاتينية معاً وثقافته الواسعة, وزار خلال تلك السنوات العديد من المدن الإيطالية, ثم عني للبابا ليو العاشر أن يستغل هذا الإفريقي العربي في استطلاع أحوال المسلمين على امتداد الساحل الجنوبي للمتوسط, فأرسله في رحلات طويلة, دوّن كل ملاحظاته ومشاهداته خلالها وهي التي وردت بكاملها بين دفتي كتابه الشهير الذائع الصيت «وصف إفريقيا».

والمتأمل في نصوص هذا الكتاب سرعان ما يستشف منه أنه ليس سوى تقرير مخابراتي شديد الدقة عن كل ما ينبغي أن يكون بابا روما على اطلاع به من شؤون إفريقيا ودويلاتها الإسلامية. فالإفريقي جان ليون كان بالغ الحرص على تسجيل أحوال المدن والقرى التي مر بها, فأثبت أسماءها كما ينطقها سكانها الذين أحصاهم عدداً وبين تخطيطات هذه المدن, وسجل أهم عادات الأهالي في المناسبات كلها, وهو في ذلك كله لم يفارق روح الجاسوس المستقصي لحقيقة وجوهر كل مظهر.

وبذا كان جان ليون أول الرحالة الجواسيس الذين تدفقوا من بعده على مدن الشرق ليس فقط لاستطلاع أحواله وتلبية حاجات الأوروبيين لمعرفة أسراره وهم على أبواب عصر النهضة ولكن أيضاً لجمع المعلومات للدول والنخب السياسية والدينية.

ومن الملفت للنظر أن بعض المؤرخين كانوا يروجون إلى أن بعض باباوات روما, ومنهم ليو العاشر كانوا قد تحولوا سراً نحو الإسلام أو على الأقل أبدوا فهماً لطبيعة تعاليمه بعد انتهاء حقبة الحروب الصليبية, ولعل جانباً من هذه الترجيحات يعزز قيام جان ليون بالفرار من روما عقب وفاة راعيه البابا ليو العاشر, وقد ذهب ليون الإفريقي ليعيش بقية حياته في تونس «إفريقية» واتخذ منها مقاماً له إلى أن وافته المنية وهو على دين الإسلام وكان قد تجاوز الثامنة والخمسين من العمر.

وسواء كان الوزان قد عاد إلى رشده وجدد إيمانه بالإسلام أو أنه كان مسلماً طيلة حياته يدجن إيمانه, شأنه في ذلك شأن أهل غرناطة, خشية من بلاط البابا أو باتفاق مع البابا نفسه فقد قدم بكتاباته تعريفاً صادقاً بأحوال الشرق إلى الأوروبيين فكانت كتاباته أشبه بالمعنى الذي تحمله عبارة «وشهد شاهد من أهلها».

ولا جدال في أن كتابات الوزان عن الساحل الجنوبي للمتوسط قد لبت احتياجات الباباوية في استطلاع أحوال المنطقة في السنوات الأولى من الغزو العثماني لها لاسيما أن الذكريات المريرة لاستيلاء الأتراك على القسطنطينية لم تكن قد تلاشت بعد من الذاكرة الأوروبية.

ومن طريف ما سجله الوزان عن مصر أوصافه الدقيقة لقيام بعض الحواة بترويض الحمير أمام جمهور المشاهدين فيقول إن الرجل كان يراقص حماره قليلاً ثم يخاطبه مبيناً له أن السلطان يعتزم القيام ببناء كبير يستلزم استخدام كل الحمير في القاهرة لحمل الجير والأحجار, وعندما يسمع الحمار هذا النبأ يسقط على الأرض ويتقلب رافعاً قوائمه في الهواء نافخاً بطنه مغمضاً عينيه كأنه ميت فيقوم صاحبه بالبكاء على فقد حماره طالباً من المتفرجين المساعدة عوضاً عن حماره الذي مات وبعد أن يجمع بعض المال يقوم المهرج بعدة محاولات مصحوبة بالضرب لكي يجبر الحمار على الوقوف ثانية ولكن محاولاته لا تنجح إلى أن يقول المهرج كلاماً منمقاً يهمس به في أذن الحمار مؤداه أن السلطان أصدر مرسوماً يأمر فيه جميع نساء الطبقة العليا وكل حسناوات القاهرة أن يركبن حميرا جميلة وفي هذه اللحظة ينهض الحمار واقفاً يتصنع الزهو ويتظاهر بالسرور ثم يتابع المهرج كلامه للحمار ويقول له: إن رئيس الحي طلب منه أن يعيره حماراً لامرأته العجوز وحينئذ يغض الحمار طرفه ويأخذ في المشي متصنعاً العرج كما لو كان كسيحاً فيقول المهرج لحماره عندئذ «هل تعجبك الشابات» فيحرك الحمار رأسه كأنما يقول نعم.