عرس الديمقراطية وأحزانها
فاز مَن فاز، وخسر مَن خسر في «العرس الديمقراطي»، الذي لم يخل من أحزان، مكرساً الفكرة القائمة عادة عن انتخابات تخطو بنا خطوة واحدة إلى الأمام، وترجع بنا خطوة مثلها تماماً إلى الخلف.عظيم جداً أن تشهد هذه المنطقة من العالم، في هذا الوقت بالذات، هذا النوع من الانتخابات؛ إذ تدار العملية الانتخابية، من جانب الحكومة، بالنزاهة الواجبة، ومن دون حصول أي مفاسد من تلك المعتاد رصدها على نطاق واسع في عالم الجنوب. جميل أيضاً أن تشارك المرأة انتخاباً وترشحاً؛ فيبلغ عدد الناخبات نحو 200 ألف ناخبة، يمثلن 55.4 في المئة من الناخبين، فيما يصل عدد المرشحات إلى 27 مرشحة.
وأياً كانت نسبة المشاركة، وسواء سجلت 60 في المئة أو 69 في المئة، ورغم كونها بين الأدنى ضمن المعدلات التي سجلتها انتخابات الكويت سابقاً، فإن النسبة ما زالت جيدة، وهي تضارع مثيلاتها في دول العالم المتقدم، وربما تتفوق على بعض منها.الانتخابات أيضاً أسفرت عن وجوه جديدة؛ بعضها من الشباب، بنسبة تغيير في المقاعد بلغت نحو 40 في المئة، كما أن معظم المرشحين والناجحين حرصوا كثيراً على الإشارة إلى رغبتهم في تفادي عمليات التأزيم، والعمل بدرجة من التفاهم وسعة الصدر، بما يمكّن البرلمان من التعاون مع الحكومة في خدمة الكويت وقضايا التنمية والتحديات الراهنة.المرأة لم تفز بأي مقعد نعم، لكن أسيل العوضي احتلت المركز الحادي عشر في دائرتها بجدارة، والمعنى أنها كانت قاب قوسين أو أدنى من دخول البرلمان، كذلك احتلت رولا دشتي المركز الخامس عشر، وحصد بعض المرشحات الآخريات عدداً من الأصوات فاق ما حصل عليه مرشحون مخضرمون أو نواب سابقون في عدد من الدوائر.انتهت الانتخابات من دون اتهامات بالتزوير أو احتجاجات صارخة أو قضايا مرفوعة أمام المحاكم تطعن في النتائج، كما يحدث في الكثير من الانتخابات المشابهة في دول العالم الثالث، وربما في بعض الدول المتقدمة، لكن ثمة إحباطاً حصل لأسباب عديدة.فقد تكرست أسوأ سمات التقليدية في المجتمع الكويتي من خلال الانتخابات، وانعكست واضحة في الممارسة التي سبقت العملية الانتخابية وفي أثنائها، ومن ثم في النتائج لاحقاً، لتشكل عامل إحباط لأنصار الحداثة والتطور الديمقراطي السليم من جهة، وتخصم من مستقبل عمليات التحديث والممارسة الديمقراطية في البلاد، بل تزرع الشك فيه من جهة أخرى. ففي البداية، ومع انطلاق الحملات الانتخابية، ظهرت «الفرعيات» بما أكدت عليه من تجذر واضح للتوجه القبلي في العملية الانتخابية، وتشبث كبير بالبعد القبلي، واعتباره حكماً مهيمناً على العملية السياسية، وخاصماً من توجهها العصري والعقلاني لمصلحة ارتدادها التقليدي والعنصري. وعندما اصطدمت الدولة، متسلحة بالقانون، بمنظمي «الفرعيات»، ظهر السؤال غريباً ومقلوباً: لماذا تنفذ الدولة القانون؟ وقد وجد هذا السؤال المعكوس والملتوي ارتياحاً في أوساط سياسية عديدة، فضلاً عن تفهم في أوساط أخرى، وهو أمر جد مزعج لبلد يقدم نفسه، وينصبه الآخرون، رائداً في المنطقة من الناحية السياسية، وملهماً لبلدان أخرى كثيرة في نزوعه الواضح نحو الديمقراطية، وإيمانه بها، والتزامه إياها.وفي غضون ذلك، ظهر شراء الأصوات... حيث المال السياسي يلعب لعبته القذرة، ويشتري الذمم، ويحصد الولاء مقابل منفعة مادية قصيرة الأجل.والواقع أن مشكلة «الفرعيات» على خطورتها يمكن أن تكون مفهومة كعنصر ملازم للتجربة الديمقراطية الكويتية، باعتبار الوضع الخاص والتاريخي للقبيلة في هذه البلاد، لكن ما لا يمكن فهمه أو التسامح معه هو استخدام المال السياسي في صورة «الرشاوى الانتخابية» في انتخابات الكويت، على ما تنعم به البلاد من رفاه اقتصادي، وفوائض مالية ضخمة، ومتوسط دخل بين الأعلى على مستوى العالم.وبجانب «الفرعيات» و«الرشاوى الانتخابية»، تظهر النتائج لتعمق أحزان هذا «العرس الديمقراطي»؛ إذ يفوز المرشحون القبليون بنحو نصف المقاعد المتنافس عليها، لتكون «الفرعيات» حسمت مواقف نصف القوى البرلمانية في البلاد تقريباً.وإذ تتعزز حظوظ الإسلاميين أيضاً لتزيد مقاعدهم عن 40 في المائة من إجمالي مقاعد البرلمان، يكون معظم المجلس حالة مجيرة تماماً لمصلحة التيارين الديني والقبلي، وهو أمر جد محبط.وعلى هامش هذا الإحباط، تتسرب فرصة المرأة هذه المرة أيضاً، ولا تستطيع أي من المرشحات الـ 27 إقناع الناخبين والناخبات في الكويت بقدرتهن على خدمة البلاد من خلال العمل السياسي من داخل البرلمان، وعليهن، وعلينا معهن، الانتظار سنوات أخرى لنجرب مجدداً.خطوة إلى الأمام خطتها الانتخابات الأخيرة بالديمقراطية الكويتية، لكنها عادت في الوقت ذاته خطوة مثلها تماماً إلى الخلف، والعزاء الوحيد، والأمل أيضاً باق ومتعلق بأداء برلماني يركز على قضايا البلد الحقيقية، وينقل التنمية والخدمات نقلة واضحة إلى الأمام، ويفتح الباب أمام انتخابات برلمانية قادمة تشهد أعراساً من دون أحزان.* كاتب مصري