إذا كان توني بلير يملك العصا السحرية في إبطال «العزيزوات» أو تسعفه خبرته السياسية في اكتشاف لفايف السحر و«العمل» المدفونة تحت مدخل مجلس الوزراء، فإن ما لا يستطيع القيام به، ولا حتى «بعرس أمه»، أن يفهم اتهامات النواب بعضهم بعضا في أنسابهم وجيناتهم الوراثية.

Ad

لم يعد بالإمكان تصور الحالة السياسية أو التكهن بنتائج ما ستؤول إليه التداعيات الدراماتيكية المتسارعة بالمنطق السياسي ولا حتى بالتفكير العقلاني، فالوضع السياسي أصبح شبيهاً بالأوضاع الصحية في الكويت وطبيعة الخدمات الطبية، حيث تتوافر كل التجهيزات الفنية والكوادر الطبية، لكن المريض دائما ما يكون هو الضحية!

فالمريض قد يمشي سيراً على الأقدام إلى المستشفى، وتنتهي به الحال في غرفة العناية المركزة، ويدخل بعدها في غيبوبة وسط ذهول الأهل لتبدأ معاناتهم في إيفاده للعلاج بالخارج، وعادة ما ينتهي المشهد بالجميع بفاجعة وفاة المريض وتصدر شهادة الوفاة بتشخيص السبب بالهبوط الحاد في القلب!

والنظام السياسي في الكويت يشهد مثل هذه الحالة المرضية، فبعدما كانت حكومة الشيخ ناصر المحمد توصف بالإصلاحية وتباشير التعاون ترفرف على العلاقة بين السلطتين، وإذا بالكل يتسابق لاستجواب سمو الرئيس. ولم تستوعب الحكومة تشخيص أمراضها إلا أخيراً، فأبرمت عقداً مليونياً مع مستشفى توني بلير للاستشارات السياسية، وإن كنت أشك بأن «ولا جد بلير» قادر على زرع قلب ما يعرف بالحكم الجيد Good Governance.

فرئيس الوزراء البريطاني السابق الذي واجه أكثر من أربعين استجواباً شخصياً على مدى عقد من الزمن ووصلت شعبيته إلى دون الـ 20% في أواخر أيامه، لم يهتز لحكومته رمش وظل صامداً حتى عزله من زعامة حزب العمال، مطلوب منه اليوم تفكيك رموز ستة استجوابات موجهة إلى سمو رئيس الوزراء عندنا، وثلاثة أخرى تم التهديد بها خلال الساعات الـ48 الماضية!

كما يتوقع من السيد بلير مقابل العقد المليوني أن يحل طلاسم قيام الحكومة بإقرار صفقة «الداو كيميكال» تحت تهديد المساءلة ثم إلغائها خلال 96 ساعة ليواجه استجواباً مضاداً آخر، وعليه أن يتعرف على أسباب استجواب رئيس الوزراء على خلفية دخول السيد الفالي ليواجه محاكمته في الكويت، وأن يفهم سبب الاستجواب الجديد لرئيس الوزراء نتيجة لهدم مسجد غير مرخص وتعهد سمو الرئيس بإعادة بناء هذا المسجد المخالف على نفقته الخاصة! بالمرة يجب ألا ينسى بلير تفسير استجواب الرئيس بسبب حضور حفل افتتاح المجلس الأولمبي الآسيوي وكذلك الاستعداد للمساءلة في حالة التحقيق مع رئيس فريق إزالة التعديات!

وليضع السيد بلير في اعتباره أيضاً التحقق في مصروفات ديوان رئيس الوزراء، وهل صرفت بالمخالفة لأنظمة الرقابة المحاسبية لتستحق المساءلة؟ وكذلك الاستفسار عن أسباب ومبررات منح مجلس الوزراء الجنسية الكويتية عددا من الأسر والأفراد بمباركة من وزير الداخلية تحت بند الخدمات الجليلة، ثم سحب هذه «الجناسي» بعد أسابيع فقط بتهم الخيانة العظمى لمن استحقوها؟!

وإذا كان توني بلير يملك العصا السحرية في إبطال هذه «العزيزوات» أو تسعفه خبرته السياسية في اكتشاف لفايف السحر و«العمل» المدفونة تحت مدخل مجلس الوزراء، فإن ما لا يستطيع القيام به، ولا حتى «بعرس أمه»، أن يفهم اتهامات النواب بعضهم بعضا في أنسابهم وجيناتهم الوراثية، ومطالبتهم بفتح ملفات الجنسية للنواب للسعي وراء مزدوجي الجنسية، وهل يشمل ذلك أبناء النواب من حمَلَة الجنسية البريطانية والأميركية والذين يمكن أن يصبحوا نواباً في المستقبل أيضاً؟

وعلى بلير أن يتفقَّه في الدين ليفسر فتاوى علماء المسلمين في جواز شراء قروض المواطنين، ومدى جواز بناء المساجد من دون ترخيص ومن ثم هدمها، وأن يقضي أوقات فراغه في تصفح الإنترنت والدخول في موقع «الآن» و«الزووم» وغيرها من المنتديات ليتثقف بالخطاب الراقي بين النواب وأتباعهم في القضايا الطائفية والقبلية.

وطالما وقَّع بلير العقد المليوني، فيجب أن يعرج على تهديدات الاعتصام والإضراب للقضاة ورجال التحقيقات وموظفي الموانئ والطيران المدني والأطباء والمهندسين والمعلمين لزيادة مرتباتهم، ولا ينسى نصب الكاميرات في المدارس حتى لا يتعرض أطفالنا كل يوم للاغتصاب فيها.

وهذا كله مجرد مقدمة كنا نتمنى أن يراجعها السيد بلير قبل التوقيع على العقد المليوني لإصلاح حكومة الكويت، ولا يغتر بمجموعة صور الفساد المالي والإداري التي لا تحملها «البعارين» فقط لكي يصبح المنتظر الكويتي، وهذه مجرد نصيحة للسير بلير لا نهدف منها كسر سوقه أو سد باب رزقه في أول «بزنس تجاري» له بعد تركه المنصب الوزاري!