سورية ستبقى على شعلة الموقد الخلفية طالما ظل نتنياهو رئيساً للوزراء في إسرائيل على رأس ائتلافه اليميني المتشدد، وطالما كان المتعصب المتطرف ليبرمان رئيساً للدبلوماسية الإسرائيلية، وطالما كانت أفضل أمنيات الفاعلين الدوليين والإقليميين ألا تُدمر جهود التسوية، على هزالتها وانكفائها، على الجانب الفلسطيني، وألا تقاد المنطقة إلى مزيد من التصعيد والتوتر وتدخل أجواء الحروب مجدداً. 

Ad

 

 

 

لم يكن أحد يتصور أن يتفق الرئيس السوري بشار الأسد مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة وزعيمة حزب "كاديما" والشريكة الرئيسة في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة تسيبي ليفني، في قناعة واحدة محددة من دون أي افتراق أو تباين إزاءها؛ وهي أن الجانب العربي ليس لديه شريك في عملية السلام. 

 

حدث هذا حين أكد الأسد، في كلمته أمام القمة العربية الحادية والعشرين التي عقدت نهاية الشهر الفائت في الدوحة، أن الجانب العربي "ليس لديه شريك حقيقي في عملية السلام"، وهو الأمر ذاته الذي شددت عليه ليفني، عقب التصريحات الحادة التي أطلقها خلفها ليبرمان غداة تسلمه منصبه الأسبوع المنصرم؛ إذ قالت: "لسنا مناسبين لهذه العملية... وفقدنا دورنا كشريك فيها". 

 

لا يعني هذا الاتفاق، على غرابته وندرته، أن سورية لن يكون بإمكانها الانخراط في محادثات، مباشرة أو غير مباشرة، مع الدولة العبرية، للوصول إلى تسوية لوضع أراضيها المحتلة منذ عدوان يونيو 1967 على الإطلاق، لكنه يعني بوضوح أن هذا لن يحدث في المدى القريب كما كان مؤملاً، وأنه سيتأخر طالما كانت حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة الراهنة في الحكم... أي إلى أجل غير مسمى. 

 

سورية ستبقى على شعلة الموقد الخلفية طالما ظل نتنياهو رئيساً للوزراء في إسرائيل على رأس ائتلافه اليميني المتشدد، وطالما كان المتعصب المتطرف ليبرمان رئيساً للدبلوماسية الإسرائيلية، وطالما كانت أفضل أمنيات الفاعلين الدوليين والإقليميين ألا تُدمر جهود التسوية، على هزالتها وانكفائها، على الجانب الفلسطيني، وألا تقاد المنطقة إلى مزيد من التصعيد والتوتر وتدخل أجواء الحروب مجدداً. 

 

كانت الآمال كبيرة طوال العام الفائت في أن تثمر جهود ووساطات عديدة في قيادة سورية وحكومة أولمرت إلى نوع من التوافق، يفضي إلى مفاوضات تأخذ وقتاً مهما طال، وتقود في أفضل الأحوال إلى نوع من التسوية التي تنطوي على تنازلات مؤلمة متبادلة من الجانبين، بما يخفف التوترات في المنطقة، ويقترب من سلام بين الدولتين، قد لا يكفي وحده لإحلال العدالة والاستقرار في الإقليم، لكن من دون شك فإن أيهما لا يمكن أن يتحقق في غيابه. 

 

سعت أنقرة عبر وساطة مميزة، اكتسبت فاعليتها من علاقاتها الجيدة بالجانبين السوري والإسرائيلي ومن الصعود الإقليمي الملفت للقطب التركي وزيادة درجة التعويل عليه، إلى تقريب المواقف والرؤى نحو جمعهما على طاولة واحدة تحت أضواء العلانية، لكن ظروف الدولتين المعنيتين، والتفاعلات الإقليمية العنيفة التي اختلط معظمها بالدم، لم يُتِح الفرص لهذه الوساطة لتنضج. 

 

وكان الأمل أن ينجح حزب العمل في الفوز بعدد مناسب من المقاعد يمكنه من تشكيل حكومة ائتلافية في أفضل الأحوال، وبالطبع فإن هذا لم يحدث، فظل الأمل باقياً في قدرة "كاديما" على تشكيل الحكومة، وهو الأمر الذي لم يحدث بدوره، لتقع تل أبيب في يد حكومة يمكن وضعها بسهولة بين أكثر الحكومات التي عرفتها الدولة العبرية طيشاً وميلاً إلى التسخين والتصعيد والعنف. 

 

يصر السوريون على القول دائماً إن السياسة العدوانية الاستعلائية المناهضة للسلام بين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة واحدة، وأن ما يعتري تلك الحكومات من تغيرات ليس سوى تبادل أدوار وقشور خارجية لا يتبدل معها الجوهر أو يمس، وهو قول يمكن وضعه في إطار "التكتيك السياسي" ليس أكثر؛ إذ لا يمكن أن ينكر أحد أن ثمة تباينات حقيقية بين الحكومات الإسرائيلية فيما يخص إدارة الصراع عبر التفاوض وعقد الاتفاقيات خصوصاً، إن كانت تشترك جميعها في استخدام أدوات العنف المتاحة لها بأقصى جرأة وبالدم البارد، كلما دعت الحاجة، وفق تشخيصها لمسارات الأحداث واستحقاقاتها. 

 

ومن ذلك أن الحكومة التي يترأسها نتنياهو، ويحمل حقيبة الخارجية فيها ليبرمان، وترتكز على ائتلاف هش وأغلبية ضيقة، لن تكون أبداً قادرة على مقاربة الموضوع السوري مهما كانت الاعتبارات والضغوط. 

 

سيكون من الصعب أيضاً اللعب على التباين بين نتنياهو وليبرمان؛ فحتى الآن لم يظهر أيهما مناقضة للآخر. استهل ليبرمان الساعات الأولى من اعتلائه منصبه بمعارضة سياسات ليفني الخاصة بالمحادثات مع الفلسطينيين، بل وبالنكوص عن اتفاق "أنابوليس" في عام 2007، فزاد عليه نتنياهو بالتأكيد على امتناعه عن الالتزام بحل يتضمن تأسيس دولة فلسطينية، قائلاً ببساطة: "لا أرى ضرورة أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة". 

 

سارع العالم إلى القلق والانزعاج، لأن رؤية الدولتين صارت مطلباً دولياً وإقليمياً، فكان أفضل ما قالته واشنطن إن "إدارة أوباما مازالت ملتزمة بتأسيس دولة فلسطينية ديمقراطية تعيش في أمن وسلام إلى جانب إسرائيل". 

 

لكن أحداً لم يكن مهتماً بانتكاسة كبيرة على المسار السوري، ظهرت بوضوح حين أكد ليبرمان أن "إسرائيل لن تنسحب من الجولان مقابل سلام مع سورية"، و"أن الحكومة لم تتخذ أي قرار في شأن المفاوضات مع دمشق". وحين سئلت أوساط نتنياهو عن هذه التصريحات والمواقف الحادة، قال مكتب الوزير جلعاد أردان الحليف الرئيس لزعيم "الليكود": "هذه التصريحات تمثل موقف الحزب الذي يقود الحكومة". 

 

التشدد الإسرائيلي الذي ظهر سافراً لا يقبل الشك في قطع الطريق على التفاوض على الجانب السوري، قابله تجاهل أميركي واضح؛ إذ لم تكن واشنطن معنية سوى بحفظ ماء وجهها والإبقاء على خطوط مفتوحة مهما كانت واهية على الصعيد الفلسطيني. 

 

تركيا ضمرت وساطتها، ولن تكون قادرة مجدداً على استعادة الزخم لجهودها، خصوصاً أنها سبق أن اصطدمت بأحد "الحمائم" شيمون بيريز، وأرهقتها مماطلات حكومة "كاديما" المنصرفة وعدوانها الإجرامي ضد الفلسطينيين. 

 

الورقتان الفاعلتان في حوزة النظام السوري الممثلتان في "حزب الله" وبعض الفصائل الفلسطينية تدخلان فترة تجمد وبيات، انتظاراً للانتخابات اللبنانية الفارقة المقبلة من جهة، واحتراماً لجهود المصالحة الفلسطينية الدائرة برعاية مصرية حصلت على دعم عربي في قمة الدوحة الأخيرة. 

 

قدرة سورية على التسخين عبر الورقتين تتراجع مؤقتاً، والحليف الإيراني بدوره ينتظر انتخابات مفصلية في الصيف المقبل، يمكن أن تشهد تغيرات دراماتيكية، والعيون العربية باتت مفتوحة على أنشطته وتفاعلاته في المنطقة أكثر من أي وقت مضى، ورغبة سورية في ترميم علاقاتها بالنظامين المصري والسعودي تحول دون أي مبادرات تأخذ شكل المغامرات في هذا الوقت الحرج. 

 

الأمل في حل سلمي يعيد الأراضي المحتلة دون المس بالكرامة الوطنية، يظل هاجس سورية الرئيس، وظرف دولي وإقليمي غير موات، وحلفاء منشغلون، وأوراق مجمدة مرحلياً، ومحور رئيس يحتاج وقتاً للتعافي بعد طول جفاء، كلها عوامل تبقي سورية لوقت ليس قليل على الشعلة الخلفية للموقد. 

 

يبقى أن ليبرمان قال، فيما قال، إن "التنازلات لن تجلب إلا مزيداً من الحروب"، وهو أمر تعلمه سورية جيداً وتحرص عليه، كما تعلم أيضاً أن وضعها الراهن لا يتيح لها الحصول على حقوقها من دون أن تتنازل. 

 

 

* كاتب مصري