منذ أن أطلق د. فيصل المسلم تصريحاته حول «الإعلام الفاسد»، غدا الموضوع مادة مفضلة لكثير من الكتاب، بل وجد طريقه إلى افتتاحيات إحدى الصحف أو بعضها، ولا عجب في ذلك، فإن لم ينتفض الإعلاميون دفاعاً عن حماهم أمام هذا المصطلح «المستفز»... فمن الذي سينتفض إذن؟ ولعلي كنت من أوائل من تناولوا الموضوع، وإن كان من زاوية مغايرة لما جرى طرحه.
أغلب الصحف والزملاء انتقدوا النائب المسلم على استخدام المصطلح، واعتبروه قد أخطأ بإطلاقه على عواهنه، لما فيه من التعميم، وقد قادت هذا المنحى إحدى الصحف الزميلة في افتتاحية لها، حيث اعتبرت أنه لا يوجد شيء اسمه «إعلام فاسد»، حيث لا يحق لأحد أن يصم قطاعا كاملا بالفساد، وإلا فسيكون هناك بالتبعية «مجلس فاسد» و«حكومة فاسدة» و«مجتمع فاسد»، على حد تعبيرها!وهذا الاحتجاج غير صحيح، وإن بدا منطقيا، فالنائب المسلم كان يقصد وبكل وضوح وسائل إعلامية محددة، وكان يشير إلى ممارسات بعينها، وبالتالي فالتعميم الذي اتهم به لم يكن موجوداً حتى إن استخدم مصطلح «الإعلام الفاسد»، والاستدلال بأنه سيكون هناك بالتبعية مجلس فاسد وحكومة فاسدة، استدلال معلول، لأنه استدلال مع الفارق الشاسع، فالمجلس مجلس واحد لا غير، وحين يقال إنه فاسد فمقصود هو لا غيره، والحكومة واحدة بعينها، وحين يقال إنها فاسدة فمقصودة بعينها، وأما الإعلام فلفظة واسعة تشمل مرافق عديدة لا ارتباط بين بعضها بعضاً، وعندما يقال إنه إعلام فاسد فلا يعني ذلك أن كل مرافقه وقطاعاته فاسدة بالضرورة، تماما كحالة أن يقال «مجتمع متخلف»، فلا يعني ذلك أن كل أفراد المجتمع المقصود أو قطاعاته متخلفة!أعتقد أن المحاججة السليمة لما جاء به النائب المسلم، كانت يجب أن تقوم على مواضع أخرى، وألا تنشغل بالجدل حول ما إذا كان اللفظ تعميميا أم لا!كان من الأجدر أن يناقش النائب المسلم بمعنى ومدلول الفساد الذي تحدث عنه، وهل إثارة الفتن الطائفية في الصحافة فساد أم لا؟ وهل إثارة الفتن ضد العرب والمسلمين فساد أم لا؟ وهل تجريح رئيس الوزراء والوزراء والمسؤولين والإسفاف في نقدهم فساد أم لا؟ وهل النيل من أعراض الناس والخوض في أمورهم الخاصة كما تفعل أغلب الصحف على صفحاتها الأخيرة، دون وازع أخلاقي فساد أم لا؟ وهل السماح بالتعليقات الجارحة الساقطة في الصحف الإلكترونية فساد أم لا؟ وهل ما تبثه الأشرطة المتحركة على شاشات القنوات الهابطة من تعليقات عنصرية وفئوية وطائفية فساد أم لا؟ وهل بث المكالمات الهاتفية المبرمجة التي تتجاوز الذوق والأخلاق على الهواء بدعوى أنها لا تمثل رأي الفضائية التي بثتها فساد أم لا؟ أم أن الفساد فقط أن الصحيفة والقناة الفلانية خاصمت النائب المسلم بفجور؟! كان من الأجدر أن يسأل النائب الفاضل عن السبب الذي جعله يصرف نظره عن ممارسات الإعلام الفاسد في حق غيره طوال الفترات الماضية، ولا يتحدث إلا الآن حين أصابته لسعات هذا الإعلام!لست متحاملا على فيصل المسلم، ولو وجدت اليوم اسمه في ورقة الترشيح أمامي لما ترددت في التصويت له، لأني لا أصدق ما تشيعه تلك الصحيفة التي تخاصمه بفجور من شبهات فساد ومازلت أجده من أفضل النواب، وما كنت لأقف في صف أصحاب الإسفاف والانحدار في الطرح لأي سبب كان لأني أخاف الله وهو حسبي.قصارى الأمر أني انتقدت المسلم لكونه عندي من أفضل النواب، انتقدته بسبب مفارقته للموضوعية في هذه القضية وانفعاله وخروجه عن الاتزان المعروف عنه، رغبة في أن يعود إلى ما عهد فيه، وأظنه قد عاد!
مقالات
ضد فيصل المسلم... ومعه في نفس الوقت!
19-02-2009