«حوار الطرشان»... هو الوصف الأمثل لندوة الاثنين الماضي التي أقامها اتحاد الطلبة في أميركا بشأن اللجنة الدخيلة، فمن الواضح أنه لم يأت أحد ليسمع، فالكل -سواء مشاركون أم ضيوف أم حضور- جاء ليتحدث من دون أدنى استعداد للإنصات للآخر، وهذا مؤشر لاستحالة التوصل إلى حلول مشتركة، ودعوة سافرة الى فرض الآراء بالقوة من دون استعداد للتفهم أو التفاوض أو التنازل، وقد يكون ذلك متوقعاً من قطبي الصراع الرئيسيين المتأسلمين والليبراليين، ولكن ذلك غير مفهوم إطلاقا أن يأتي من الأطراف المستقلة التي تدعي الاعتدال والوسطية والموضوعية.
بدأ النائب الفاضل د. جمعان الحربش الحديث بتأكيد الحاجة إلى الحوار وتقبل الرأي الآخر من دون أن يصل الأمر إلى «التجريح بالدين والشرف والأخلاق والكلام الجارح»، وهو أمر ممتاز لطالما دعونا إليه وطالبنا به، ولكن عندما أشار بعضهم إلى تعليقات مقرر اللجنة وبقية أعضائها والتي كفرت معارضي اللجنة واتهمتهم بالدعوة الى الفسق والفجور وأسمتهم «جنود إبليس»، لم يكلف نفسه عناء الرد أو الاعتذار أو حتى تقديم تفسير لتلك التهم والشتائم، وكأنه قد جاء ليسمّع ما أراد تلاوته من دون أن يسمع، أو أن يحاول اقناع أحد بحجته.أما الزميل والنائب الفاضل د. حسن جوهر فقد أعاب على المهاجمين «تسييس» قضية اللجنة والحكم على النوايا قبل أن يكون هنالك أي إجراءات فعلية من قبل اللجنة التي تكرم بقراءة اختصاصاتها على الجمهور من باب تطمينهم على طبيعة وحدود عملها. ونسى الزميل الفاضل أنه «لا يُلدغ مؤمن من جحر مرتين»، فأداء اللجنة في 2006 كفيل بأن يجعلنا نتوجس من عملها الآن، وتصريحات وتصرفات رئيس ومقرر وأعضاء اللجنة الحالية انعكاس واضح لنواياهم. فاختصاص اللجنة «دراسة وبحث الظواهر السلبية التي تظهر بين فترة وأخرى وتؤثر على التماسك الأمني الاجتماعي والقيمي للمجتمع الكويتي»، ورغم ذلك فإن باكورة إنجازاتها لعام 2006 تنصب على «معاقبة» من يجاهر باضطراباته الجنسية من دون أي اهتمام «بدارسة أو بحث» هذه الاضطرابات أو معالجتها بشكل علمي وأكاديمي على الصعد الطبية والنفسية والاجتماعية كلها، ودونما أي اهتمام بالاضطرابات «الخفية» التي تعانيها مئات الأسر في الكويت من دون أن يكون لها عوارض ظاهرة.وأولويات اللجنة المكتوبة هي «المخدرات والمسكرات، والعنف الأسري، وجرائم الأحداث، وسعي البعض لاستغلال الناشئة من خلال ترويج قيم بعيدة عن الدين الإسلامي الحنيف والأخلاق والعادات والتقاليد الكويتية الأصيلة»، في حين نجد أولوياتها على أرض الواقع «ستار أكاديمي» و«البلاي ستيشن» والحفلات الخاصة. في الوقت الذي تعبث فيه قوى التطرف والإرهاب بعقول «الناشئة» ويتساقطون يومياً في العراق وأفغانستان في أعمال أبعد ما تكون عن «الدين الإسلامي الحنيف والأخلاق والعادات والتقاليد الكويتية الأصيلة». وحين تمت مواجهة كل من النائبين الحربش وجوهر بهذه الحقائق لم نجد سوى تكرار ممل لنفس الكلام الذي جاءا لتلاوته.أما الحضور فأشك أن أياً منهم قد خرج بمعلومة جديدة أو تغير في الرأي أو حتى لحظات من إعادة تقييم مواقفهم وأولوياتهم. وبالأخص الشباب الذين جاءوا «للفزعة» للنائب الحربش، كما وصفهم بنفسه، مما يؤكد أن الحماس والدعم الذين حظيت بهما أفكار د. النائب أبعد ما يكون عن روح الإسلام الذي رفض العصبية والقبلية و«الفزعة» لأخيك ظالماً أو مظلوماً. هذه الندوة هي مثال عِلّتنا الاجتماعية والسياسية وحتى الشخصية، فنحن شعب مغرور ومتعال وتزداد مصيبتنا إذا اجتمع ذلك بالجهل والسطحية. فلا مجال ولا احترام لدينا للرأي الآخر، ولا نسعى بأي صورة الى الوصول إلى حلول وسط أو حتى التفاوض، هذا في ظل مجتمع متعدد الثقافات والخلفيات والمستويات الاجتماعية والاقتصادية، ولا يمكن لهذا الوطن أن يستمر بتشكيلته المعقدة وغير المتجانسة من دون الاستعداد للإنصات إلى الآخر وتقبل الرأي المعاكس بروح رياضية وانفتاح ومحاولة الإقناع لا الفرض، مع إبقاء الباب مفتوحاً لاحتمال بسيط أن يكون الآخر على حق أيضاً!
مقالات
صراع الثقافات
27-06-2008