التدين الشكلي هو الغالب على تعاطينا مع أمور الدين، فهناك حلقات لتحفيظ القرآن، لكن لا توجد حلقات لفهم معانيه، وأن يأتي رمضان في شهر حار ومع بدء العام الدراسي فالأمر يتطلب أن يناقش في مجلس الوزراء! وفي كل رمضان ينشط عباد الشهر الفضيل للنيل من قيمة العمل بالمطالبة بأن تكون العشر الأواخر منه عطلة، وهي مطالبة مخالفة للدين الذي يرفع من قيمة العمل والعبادة معاً في الشهور الاثني عشر.أول العمود: يستطيع أي شخص يحصل على رقم بطاقتك المدنية أن يعرف عدد القضايا المسجلة ضدك، وحجم المخالفات المرورية ونوعها من خلال موقع وزارتي العدل والداخلية... يعني «فضايحكم بالشارع»، ألف مبروك!
***
لفت نظري حديث الناس عن محاضرة الشاب مشاري الخراز حول التلذذ بالصلاة، وهو عنوان ذكي، بحسب أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكن الواقع ينبئ بغير ذلك، ففي أيامنا هذه لا تتعدى الصلاة لدى بعضنا سوى حركات وتمتمات لا تردع النفس عن ارتكاب المنكرات بصغيرها وكبيرها، بل وصل الأمر الى أن بعضاً ممن نعرف عنهم انتماءهم إلى الحركات الإسلامية الذين ينظر إليهم العامة من الناس على أنهم حراس للدين، يقومون بحركات «غير إسلامية»، فهمهم جمع المال وتقلد المناصب من خلال الانتفاع الفج بما يفيء به الجهاز الإداري للدولة من مزايا يتم توزيعها كحصص على «الأقربين».
من هذا المدخل أود القول إن ظاهرة التدين في مجتمعنا يغلب عليها الطابع الشكلي- إلا مَن رحم ربي- فأنت ترى أن معظم حلقات القرآن يتجه نحو التحفيظ، وهي قيمة محمودة، لكنك لا تجد حلقة «عن فهم وتدبر القرآن»، ولا تجد أيضا أن كلمة «متدين» تُطلق على رجل حليق وغير مقصر لثوبه، لكنه يعرف حدود الله ولا يكذب ولا يختلس، في حين أصبحت اللحية اليوم وكأنها تذكرة مرور للحصول على لقب «متدين»! غلُبت شكليات الدين روحانياته، وهذا واقع. فأحاديثنا ولقاءاتنا يندر فيها حمد النعم، فالشكاوى دائمة، ليس من فقر وحاجة، ولكن على طريقة «هل من مزيد؟»!
نقيم الدنيا على قضية تربوية بحتة يفترض ألا يتحدث فيها إلا التربويون، وهي تأخير بدء العام الدراسي إلى ما بعد رمضان، والسبب الذي لا يجرؤ أحد على التفوه به، هو كيف يبدأ العام الدراسي الذي يتطلب توصيل الأبناء إلى المدارس، مع صيامنا في رمضان، وتزامنه مع شهر سبتمبر الذي سيكون حاراً وساخناً!، وكأن صيامنا لله منّة وليس عبادة! وما أن ينتهي هذا الموضوع حتى ندخل الأيام العشرة الأخيرة من رمضان وتتم المطالبة بعطلة عن العمل بحجة التفرغ للعبادة وهو حديث موسمي بالمناسبة، ومع الأسف تأتي هذه المطالبات من «متدينين»، وهم الأعرف بقيمة العمل والعبادة معاً طوال شهور السنة.
أعجبتني كلمة «عباد رمضان»، التي يطلقها بعض خطباء المساجد، لوصف هؤلاء «نشطاء الشهر الأوحد»، وهذه حقيقة لأن المؤمن الحق يجب أن يتحلى بروحانيات عالية على الدوام، ولا يتأفف من عبادة تلازم وظيفة إدارية أو طقساً حاراً، فالأجر على قدر المشقة.
أنظر أخي القارئ إلى أسلوب بعضهم في التردد على أكثر من مفتٍ لينال فتوى تلائمه في مسألة ما، وهو نوع من التحايل للوصول إلى ما في القلب... وبعد ذلك نقول «حطها في ذمة عالم واطلع سالم!».
نفتقر في مجتمعنا الى مَن يستطيع أن يقرب الناس من روح الدين، وأظن أن هذه خصلة يصعب على كثيرين ممن يعملون في حقل الدعوة بلوغها، إذ تسود أحاديثهم الترهيب والتخويف للوصول إلى التدين، بينما العكس هو المطلوب.
شكراً للشاب مشاري الخراز الذي اكتشف أن الكثيرين لا يخشعون في صلاتهم، ويستحون البوح بذلك نتيجة للطبيعة البشرية ونزعتها إخفاء مواطن الضعف أمام الآخرين، لكن خطوات الكثيرين ممَن يريدون «التلذذ» المفقود في صلواتهم إلى المسجد الكبير كشفتهم بطريقة صامتة.