إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.
إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه وليس تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية. إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة لا مكان فيه للمتخلّفين. إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب. انتخابات 1985 مجلس الأمة (85) شاركت فيه كل القوى. بعد ظهور نتائج الانتخابات تداعى الأعضاء إلى الاجتماع في بيت جاسم القطامي للتفاهم بشأن العمل في المجلس. والتقينا جميعاً في ديوان جاسم القطامي وقررنا الإسراع في تقديم القوانين والاقتراحات الإصلاحية. وكان أول موضوع طرح هو كيفية تحرير موقع رئاسة المجلس من سلطة الحكومة، لأن أكبر تكتل في المجلس هو تكتل الوزراء الـ (14) القادر على حسم التصويت لمصلحة الحكومة. اتفقنا على تسمية مرشح واحد فقط ننتخبه في بيت جاسم القطامي فرشح أحمد السعدون نفسه وكذلك فعل يوسف المخلد. وزعت أوراق الاقتراع وكانت النتيجة فوز أحمد السعدون فبادر يوسف المخلد إلى الانسحاب وبارك لأحمد السعدون بالرئاسة. وقد التزم الجميع بهذه النتيجة. وهكذا فرض المجلس رأيه على الحكومة وانتخب الرئيس الذي يريد. وكان تقليداً تمّ اتباعه في المجالس اللاحقة حتى عام 1992. عند انتخاب مجلس (85) كان الجو العام تغيّر في الكويت عنه في انتخابات (81). «عرس المناخ» وأحلام الثروة المفاجئة تبخرت بعد سقوطه المدوّي وإفلاس الكثيرين الذين خسروا كل مدخراتهم، وبعضهم خسروا بيوتهم المرهونة. وأذكر أن أحد فرسان المناخ المحال إلى الإفلاس جاءني في الديوانية يشكو الحال من سوء وضعه المالي لأن كل ممتلكاته قد جمدت فهو يريد أن يعيّن له راتب شهري ليعيش هو وعائلته. بعد أن كان رواد سوق المناخ يريدوننا أن نبتعد عن المجلس عام (81) يريدوننا الآن أن ننجح حتى نحميهم من الآثار المدمرة لانهيار هذا السوق. كذلك فإن الحرب العراقية - الإيرانية بدأت تفقد زخمها، فالحرب طالت وصارت تؤثر في الأوضاع الأمنية والاقتصادية للكويت بعد أن استطاعت إيران استيعاب الضربات الأولى وبدأت بالهجوم المعاكس مما أقلق الكويتيين. وبالطبع كانت ردة الفعل الغاضبة عند عناصرنا وأصدقائنا لطريقة انتخابات (81) حافزاً للعمل الجاد والمكثف بشكل غير عادي، فمثلاً تشكلت عندي في منطقة الروضة عدة لجان من عناصر في الروضة والمناطق الأخرى لمصلحتي لم أكن أعلم بنشاطها إلا بعد ظهور نتائج الانتخابات. في مجلس 1985 كان هناك تنسيق بين القوى الوطنية والعناصر المستقلة مثل أحمد السعدون ومشاري العنجري ومشاري العصيمي وحمد الجوعان ومحمد المرشد، وكان هؤلاء يلعبون دوراً جيداً في تقريب وجهات النظر مع الأطراف الأخرى. وكان واضحاً أن مجلس (85) سيكون مجلساً قوياً، وفكرت الحكومة في حلّه حتى قبل أن يجتمع، ولكنها خشيت أن يكون رد الفعل سيئاً عليها فقررت الانتظار حتى يختلف الأعضاء فيما بينهم ثم يحلّونه، ولكنها فشلت في ذلك واستمر المجلس في خطواته الإصلاحية وفي تضامن أعضائه حتى بعد حلّه، عندما نسقوا جهودهم للعمل على عودة الحياة البرلمانية. ولم يستمر المجلس طويلاً فتمّ حلّه بعد عام ونصف. واستمر التحالف بعد حل مجلس الأمة حتى الاحتلال. وأثناء الاحتلال ظهر تباين في العديد من القضايا كما ذكرت عن موقف الإسلاميين وارتباطهم مع الحكومة ومحاولة السيطرة على مؤتمر جدة مما سيأتي ذكره. بعد التحرير رأى البعض أن يستمر التحالف وأن البلد بعد التحرير يحتاج إلى التنسيق بين القوى السياسية، وكان هناك تصور بأن الأخوان سيخسرون شعبياً بسبب موقفهم من الاحتلال المعارض لتحرير الكويت من قوات التحالف. وتمّ الاتفاق على أن تكون الحملة الانتخابية خالية من الصراع، أي اتفق على هدنة تمشياً مع روح التعاون التي تبلورت قبل الاحتلال. لم يلتزم الإخوان بذلك، ففي زيارة قمت بها إلى الروضة، ما كدت أبدأ الحديث حتى دخلت مجموعة من الإخوان المسلمين وأخذ أفرادها يوجهون إليّ أسئلة غريبة مثل: لماذا كنت ترفض معالجة الكويتيين في لندن في فترة الاحتلال؟ مع أن السائل دكتور في الطب ويعرف أن لكل بلد شروطها في السماح للأجنبي بالعمل علاوة على أن الرعاية الصحية متوافرة للكويتيين هناك. ولماذا لم ترجع إلى الكويت فور تحررها؟ مع أنهم يعرفون محاولات الاغتيال التي تعرّضَتْ لها العناصر الوطنية. صاحب الديوانية اعتذر بعد ذلك وأكد أن أحداً لم يدعهم إلى الحضور. فقلت لسامي المنيس أن يثير هذه الحادثة في لجنة الوفاق، وإنهم إن عادوا إلى مثل هذا التصرف فإننا سنفتح كل ملفاتهم أثناء الاحتلال، وهو أمر بالتأكيد ليس في مصلحتهم. فأخبرهم سامي بذلك وتعهدوا بأن مثل هذه الحادثة لن تتكرر. وبالفعل التزموا بتعهدهم خلال ما تبقى من فترة الحملة الانتخابية. كان علينا أن نجابه النظام والأحزاب الدينية في المعركة الانتخابية عام 1985. كانت معركتنا مع الأحزاب الدينية ضارية، فقد برهنت هذه الأحزاب التي هيمنت على مجلس (81) عن عقم برنامجها وبعده عن هموم عموم المواطنين وبالتالي تسبب في فشلها شعبياً. كذلك فإن حدة الخلافات بين القوى الوطنية قد اختفت تقريباً ورأت ضرورة تعاونها ولو بحد أدنى لمواجهة معركة النظام الشرسة ضد الديمقراطية والدستور. وعكس ذلك إقبال المواطنين بكثافة لافتة على المهرجانات الانتخابية التي نظمتها الأطراف الوطنية. وهكذا مُنيت الأحزاب الدينية بهزيمة فادحة فنجح اثنان من الإخوان المسلمين واثنان من السلف فقط من بين خمسين عضواً هم عدد أعضاء المجلس. فالأحزاب الدينية بعد خسارتها الشعبية أدركت هشاشة وضعها فعرفت نعمة التواضع. بعد إعلان نتائج الانتخابات اتصل بي الشيخ صباح الأحمد الجابر طالباً اللقاء لبحث الأوضاع فاجتمعت معه في بيت أخي عقاب. وبعد أن هنّأني بالنجاح، قال: «إن الكويت لأهلها جميعاً والمطلوب أن نتعاون وتشتركوا في الوزارة ونبدأ مرحلة جديدة لمصلحة الكويت». رحّبت بذلك وقلت: «نحن لا نشترط دخول الوزارة للتعاون بل نحن مستعدون للتعاون لأقصى حد من دون مقابل». فقال: «هل ممكن أن نلتقي الشيخ سعد العبدالله». فقلت: «أنا لا أمانع أي لقاء يكون في مصلحة الكويت»، وكما يبدو كان سعد العبدالله يعتقد أنني سوف أرفض طلبه لو طلب هو ذلك. في المساء اتصل بي الشيخ صباح الأحمد الصباح وقال إن الموعد سيكون غداً الساعة الرابعة ظهرا في منزل الشيخ سعد العبدالله في الشويخ الشمالي. وهكذا كان. لمّا وصلت إلى البيت أخذوني إلى الصالة الكبيرة، وكان ثمة كرسي معدّ لي بشكل لافت للنظر والأضواء مسلطة عليه بشكل غريب، فتذكرت عادته المعروفة وهي حرصه على أن يسجل كل لقاءاته بشكل سري ويحتفظ بالأشرطة عنده. وهذه المرة يريد أن يسجل لقاءنا بالصوت والصورة معاً! بالطبع ذلك لم يؤثر فيّ، فلقد تعوّدت على طرح آرائي بصراحة وليس عندي ما أخفيه فأنا «حماله على السطحة» كما يقول المثل الكويتي. لقد كان لقاءً مطولاً وصريحاً وفيه الكثير من العتاب، لكنني نقلت له قرارنا بعدم المشاركة في الوزارة مع استعدادنا للتعاون التام. وقلت له إنني سوف أساعد في تسهيل مهمته بتقديم لائحة بأسماء أشخاص أعتقد أنهم سيكونون له عوناً في عملية الإصلاح وهم مستقلون. رحب بذلك وقال: قدم لي الأسماء قبل العاشرة من صباح الغد لأن الوقت مداهم. وأضاف: أريدك أن تكون مستشاراً خاصاً لي، فقلت: لا داعي للألقاب وأنا مستعد للقائك في أي وقت تريدني. فأعطاني أرقام تلفوناته الخاصة طالباً مني ألا أتردد في الاتصال بأي وقت كان. شكرته وقبل مغادرتي قلت له: «دعني أقدم نصيحتي لك. أرجوك أن تبعد عن الوزارة كل المتورطين من الوزراء بسوق المناخ ووزير آخر لسبب أخلاقي لا داعي لذكره». كما قلت له: «أرجو ألا يكون الخطاب الأميري مكرراً ومملاً كالعادة». وقلت له: «ركّز على مشاكل البلد الرئيسية، وهي أربع فقط ذكرتها له». اجتمعت بالإخوان بعد المقابلة رأساً وأنا مفعم بالتفاؤل، واستعرضنا الأسماء المطلوبة للوزارة. وكم لقينا صعوبة في إقناع الطيبين بالمشاركة في الوزارة لمعرفتهم بطريقة سعد العبدالله في مركزية السلطة. وقبل الساعة العاشرة من صباح اليوم الثاني اتصلت به وقلت له: «اكتب عندك الأسماء». ولمّا انتهينا سألني: «هل قلت لهم بأنهم سوف يشتركون في الوزارة؟» فأجبته: «نعم، بعد أن بذلت جهداً لإقناعهم». ويبدو أن ذلك لم يعجبه. عندما أُعلنت الوزارة لم أجد اسم أي واحد منهم في هذه الوزارة، ولما سألتهم قالوا جميعاً إن سعد العبدالله لم يستدعهم ما عدا واحدا التقاه لموضوع آخر. وأدخل إلى الوزارة شخصا كنت قد حذرته منه لمسؤوليته في موضوع المناخ مما سبب أزمة كان من الممكن تفاديها، كما سأشرح لاحقاً، وعند إلقائه للبيان الوزاري، رأيت أنه التزم بالنصيحة وكان بياناً مميزاً عن كل ما سبقه مع أنه ترك البند الرابع المتعلق بتحسين الأوضاع المعيشية الصعبة للفئات الاجتماعية ذات الدخل المتواضع! لقد كانت فرصة للأصدقاء بأن يتندروا من سذاجتي وتصديق وعود الشيخ سعد العبدالله كل مرة. والصراحة أنه أحرجني كثيراً. وإذا كانت كلمة «الدستور» هي «طفارة» الشيخ سعد العبدالله أصبحت كلمة «المستشار» طفّارتي أنا. رجوع وزير العدل إلى الوزارة كان تحدياً للمجلس وللكويتيين الذين تضرروا من مجزرة المناخ، لأنه كان رئيس اللجنة الوزارية التي أشرفت على هذا الملف. هذا الوزير يتمتع بثقة مطلقة من رئيس الوزراء مما جعله يتصرف في مجلس الوزراء كرئيس للوزراء. هذا التصرف جعله يصطدم بوزير الشؤون الاجتماعية يوسف محمد النصف الذي لم يحتمل هذا التمييز فاستقال من الوزارة بعد أسبوعين من توليه منصبه الوزاري. كذلك فإن هذه الوزارة شُكِّلت بالطريقة التقليدية المتبعة في المحاصصة بين أقطاب النظام، فهناك وزراء محسوبون على الشيخ سالم صباح السالم بدعم من الشيخ سعد العبدالله، وآخرون من حصة الشيخ صباح الأحمد الصباح، وكان هناك صراع واضح على منصب ولاية العهد القادمة. هذا الصراع كان سبباً في الانشقاق الواضح في مجلس الوزراء، فكان كل فريق يسرّب معلومات عن خصومه من الوزراء إلى النواب لمساءلتهم. حتى أنه في جلسة خاصة جمعتني برئيس مجلس الوزراء وأحد النواب الأساسيين الذين يعتمد عليهم اعترف هذا النائب بأن سبب الخلل في عمل الوزارة يعود إلى أنها حكومة «ائتلافية» غير منسجمة. وكان رئيس الوزراء يعتمد على وزير العدل لضبط الأمور في الوزارة. هذا الموقع المتميز لوزير العدل داخل الوزارة، وهو المسؤول عن كارثة المناخ، جعله المستهدف الأول للمجلس بشكل عام، مما حدا بالمجلس إلى استجوابه على دوره في هذه الكارثة. فاتفقت القوى المؤثرة في المجلس على المشاركة في الاستجواب، وكان د. أحمد الربعي يمثلنا، ومبارك الدويلة يمثّل الدينيين، وحمد الجوعان يمثّل المستقلين، مما يعكس الجو المتعاون داخل المجلس المتصدي لعملية الإصلاح. كانت جلسة الاستجواب رائعة بكل المقاييس وتعمدت أن أخص مبارك الدويلة بشكر خاص لتشجيعه وأفحمني عندما ردّ عليّ قائلاً: «أنت أستاذنا وتعلمنا منك». انتهت جلسة الاستجواب بعد أن قدم عشرة أعضاء طلب عقد جلسة لطرح الثقة بالوزير شاركت فيها لأول مرة في وجودي بالمجلس. كان الجو الشعبي ممتازاً ولقيت هذه الخطوة تأييداً منقطع النظير مما حدا بالنواب إلى التسابق على إعلان موقفهم بتأييد طرح الثقة. حتى النواب الذين كانوا خارج البلاد أبرقوا معلنين موقفهم المؤيد حتى تعدّى الرقم الـ (40) نائباً مع أن المطلوب هو نصف الأعضاء المنتخبين زائدا واحدا. هنا طلب الشيخ سعد العبدالله مقابلتي لإقناعي بسحب طلب طرح الثقة لعدم إحراج الوزير أمام عائلته وأصدقائه. فقلت له: «أريد أن أطمئنك بأنني لن أتطرق إلى دوره في كارثة المناخ، ولا إلى اتهامه في ذمته بل سوف أركّز على نقطة واحدة وهي التي جعلتني أساهم في الاستجواب، وهذه النقطة هي الإدلاء بمعلومات كاذبة للمجلس عندما قال إنه لم تكن له أية علاقة بهذا الموضوع. الكذب على المجلس في الدول الديمقراطية هو أكبر جرم يمكن أن يقدم عليه أي وزير». إلا أنه أصرّ على رأيه، فأعطيته مخرجاً وقلت ليرحل بهدوء ويقدم استقالته وتقبلها مع رسالة شكر له على خدماته. لم يوافق على ذلك فقد تعلّم أن يأمر فيطاع وينفذ ما يريده من دون أن يهتم بالنتائج. وبعد يومين قدم الوزير استقالته التي قُبِلَتْ واعتقدنا أننا قد تجاوزنا الأزمة وعلينا أن نستأنف المسيرة في خطواتنا الإصلاحية. الشيخ سعد العبدالله غادر الكويت إلى لندن بعد استقالة وزير العدل معبراً عن استيائه ممّا حدث، ولم يرجع إلى الكويت إلا بعد أن انتهت دورة المجلس. في الجلسة الختامية للدورة أشادت الحكومة بدور المجلس وبتعاونه كالعادة ورد رئيس المجلس التحية بأحسن منها وافترقنا على أحسن ما يرام. بعد الدورة ذهبت إلى لندن وفور وصولي علمت بأن الشيخ سعد العبدالله سيرجع في اليوم التالي إلى الكويت فزرته للسلام عليه. فطلب مني أن أجلس بقربه وأسرّ إليّ بأنه راجع للكويت لحل المجلس بحجة معاملة المجلس الظالمة لوزير العدل، فحاولت إقناعه بالعدول عن قراره لكن دون فائدة. خرجت من عنده واتصلت بالإخوة في الكويت: أحمد السعدون رئيس المجلس وسامي المنيس وحمد الجوعان ومشاري العنجري. وأخبرتهم بنيّة سعد العبدالله ليتداركوا الموضوع ويجتمعوا به فور وصوله. وعند رجوعه إلى الكويت عقد مؤتمراً صحافياً انتقد فيه المجلس وأعلن نيّته حلّ المجلس. هذا التصريح فاجأ الأمير الذي استدعاه على عجل، وعلمت بأنه اجتمع معه في الديوان الأميري في اليوم التالي مع أنه كان يوم الخميس وهو يوم عطلة بالنسبة للأمير. وبالطبع لم يتسرّب أي شيء عن اللقاء، لكن نتيجة ذلك كانت واضحة فما وعد به سعد العبدالله لم يحصل. أقر قانون المحكمة الإدارية المعدّل بسلام، لكننا بعد فترة فوجئنا بموجة من مشاريع استجواب الوزراء من نواب محسوبين على الحكومة ومن وزراء يحثّون النواب على استجواب وزراء آخرين ويقدمون إليهم معلومات تساعدهم على الاستجواب! مما خلق جواً مشحوناً في البلد. في هذه الأثناء جاءني صديق من السعودية قريب من مواقع القرار يقول: «أرجوكم أن تخففوا من هذا الاختناق فالجماعة في السعودية مستاؤون جداً من الأوضاع في الكويت، وهم يضغطون على النظام عندكم للتخلص من هذه التجربة الديمقراطية التي تهدد أنظمة المنطقة كلها». شكوكنا زادت عندما تنادى بعض النواب المستجوبين إلى اجتماع يضم كل الأعضاء المستجوبين للتنسيق فيما بينهم. يعني صوتوا معنا ونصوت معكم. وبهذه الطريقة تنجح كل الاستجوابات مما يؤدي إلى إسقاط الحكومة والدخول في المجهول. هنا طلبنا من سامي المنيس وهو مشترك في أحد الاستجوابات أن يحضر الاجتماع لرفض هذا الاقتراح وأي موقف مسبق قبل الاستماع إلى رد الوزير المعني. وهكذا أفشلنا الاجتماع. لكن في جلسة المجلس بعدئذ بيوم وكان يوم أربعاء أخبرني وزير الصحة عبدالرحمن العوضي أن سعد العبدالله قد قرر حلّ المجلس بعد أن علم بالاجتماع. فقلت له: «نعم الاجتماع قد حصل ولكننا أفشلناه وعليك أن تخبره ذلك وليسأل سامي المنيّس الذي كان حاضراً». فقال: «لا فائدة من ذلك». وهنا تأكدت أن الحل قادم لا محالة وليس له علاقة بالاستجوابات المفبركة من عناصر تابعة للسلطة. وعند انتهاء الجلسة جمعت كل أوراقي متأكداً أن الحل قادم. وفي اليوم التالي (الخميس) الساعة الثامنة مساءً أي أثناء العطلة الأسبوعية وكالعادة تمت إذاعة الأوامر الأميرية بحل المجلس وإنهاء التجربة الديمقراطية لإيجاد صيغة أخرى بديلة، وتم سد الثغرات التي ظهرت في الأوامر الأميرية السابقة عند حل المجلس عام 1976. فالحل هذه المرة غير مقيد بمدة زمنية معينة وفُرِضَت الرقابة المسبقة على جميع الصحف وجمعيات النفع العام ومُنِعت الندوات والاجتماعات بجميع أشكالها. غداً: الغزو العراقي درس صعب
محليات
الكويت من الدولة إلى الإمارة - الدكتور أحمد الخطيب يتذكر - الجزء الثاني (8)
09-09-2008