لا أعتقد أن رجلاً عاقلاً سواء كان سياسياً أو كاتباً أو حتى من أفراد أسرة الحكم يتذكر تجربة الاحتكام إلى الدستور في تسلم سمو الأمير الحكم، وكذلك مؤتمر جدة، وكارثة الغزو العراقي، ويطالب بحل مجلس الأمة حلاً غير دستوري، لأن هذا الخيار ومهما جمّله البعض يبقى انقلاباً على الدستور.

Ad

أكتب هذا المقال والرؤية لم تتضح بشكل نهائي، بعد أزمة استقالة الحكومة من الجانب السياسي لا الدستوري، على اعتبار أن قبول الأمير الاستقالة رسمياً حسم الجانب الدستوري في الأمر، ما يعني تراجع خيار حل المجلس، أما في الشق السياسي فإن الأبواب مازالت مشرعة على كل الاحتمالات.

في ظل أجواء التأزيم هذه عادت بي الذاكرة إلى جلسة مجلس الأمة أيام أزمة الحكم التي تم بموجبها تنصيب سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد أميراً للبلاد، وقتها كنا مجموعة قليلة من مراسلي القنوات الفضائية مع عدد من زملائنا المحررين البرلمانيين، قبل أن يصبح عدد الصحافيين في مجلس الأمة أكثر من عدد النواب كما هي الحال الآن.

في ذلك اليوم كانت الكويت تستقطب أنظار العالم بأسره، وكانت التجربة الديمقراطية ودستور 62 على المحك، فلا أمير وقتها للدولة، في المقابل لا إجراءات أمنية مشددة ولا رجل أمن نزل إلى الشارع ولا نقاط تفتيش ولا تجيير إعلاميا أو شعبيا لطرف ضد الآخر، بل كان الاحتكام إلى ذلك الدستور العظيم، دستور عبدالله السالم رحمه الله.

لم أسمع في حياتي جملة رددها كل النواب في يوم واحد، أكثر من قولهم «رحم الله عبدالله السالم ببعد نظره كان يتوقع أننا سنمر بهذه الأزمة»، نعم إن لم تخني الذاكرة فإن أول نائبين خرجا من تلك الجلسة، وأجريت معهما مقابلة هما فيصل المسلم وتبعه علي الراشد، اليوم يوجد خلاف كبير بين النائبين، أما وقت تلك الأزمة فكانا على اتفاق سياسي تام، كلاهما قال تلك العبارة بزهو وفخر كبيرين، لأن دستور عبدالله السالم يجمع ولا يفرق.

لا أعتقد أن رجلاً عاقلاً سواء كان سياسياً أو كاتباً أو حتى من أفراد أسرة الحكم يتذكر هذه التجربة، وكذلك مؤتمر جدة، وكارثة الغزو العراقي، ويطالب بحل مجلس الأمة حلاً غير دستوري، لأن هذا الخيار ومهما جمّله البعض يبقى انقلاباً على الدستور.

إن أكثر ما يغيظني في هذا الإطار تلك الدعوات الصادرة من «سفهاء السياسة» التي تدعو إلى تجريب خيار تعطيل أعمال المجلس، والعبث بنصوص الدستور، وكأن الكويت مجرد حقل تجارب لأهوائهم ومصالحهم.

ياسادة علاقة الحاكم بالمحكوم ليست في وارد التجربة، وأمن الكويت سياسياً واجتماعياً، ليس بهذه البساطة حتى نخضعه للتبديل والتغيير، انظروا يميناً وشمالاً، وعودوا بذاكرتكم إلى أجواء عام 76 و86 لتعرفوا ما جنيناه من تلك التجارب، إن كنتم فعلاً تخشون على مصلحة الكويت وشعبها.

إنكم بتلك الدعوات تسيؤون إلى روح عبدالله السالم في قبره، ذلك الرجل الذي اختار لكم مشروع الدولة، فاخترتم أنتم مشروع المصلحة والتملق ومسح الجوخ على حساب وطنكم وشعبكم، فاتقوا الله في بلدكم، واتقوا الله في عبدالله السالم الذي جعلكم بدستوره تملكون الحق في أن تقولوا ما تشاؤون حتى لو كان قولكم زوراً وبهتاناً.