بحكم العادة والتقليد، تصدر منا أحياناً كلمات لا نتبين معناها، ونروح نرددها بشيء من «الببغائية» دون وعي منا لما قد تحمله من دلالات، أو إن كانت على أرض الواقع أقرب للصواب أم للخطأ، أو تستند إلى قليل من المنطق أم هي بعيدة كل البعد عنه!

Ad

مثال على ذلك، ما ردده ومازال يردده للأسف، كثير من الكتّاب والنوّاب بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي حصل أنصار القبلية والطائفية والتشدد الديني على أغلبية المقاعد فيها، فقد سمعنا وقرأنا جملتين حفظناهما من كثرة تردادهما على ألسنة النواب وأقلام الكتاب، وهما: (عموما هذه هي رغبة الناخب الكويتي «وعلينا» أن نحترمها) و(مادام هذا هو خيار الشعب الكويتي فـ«يجب» أن نحترمه)!

وأنا لدي في الحقيقة اعتراض على إلزامية الكلمتين «علينا» و«يجب»، فالواقع أن احترام «رغبة» الناخب ليست ملزمة وواجبة في مطلق الأحوال، فالأمر مرهون أولا باحترام هذه الرغبة لنفسها، ونبل غايتها، وحسن مقصدها، وعدالتها وحياديتها عند اختيار المرشح، وإلا فإن هذه «الرغبة» لن تكون محترمة، ولا إلزام على أحد باحترامها، خصوصا إن عملت كما في الانتخابات الأخيرة، على إيصال المرشح الأقل كفاءة والأقل قدرة على التمثيل النيابي، وكانت أسس الاختيار فيها قائمة على العرق والطائفة، وأتت لنا مع الأسف الشديد ببعض النواب الذين لا همّ لهم، إلا تضييع وقت المجلس بقضايا هامشية «نكدية» لا تهم أحدا سواهم!

نواب لهم فهم غريب للديمقراطية، يريدون فرض أجندة دينية متزمتة على الجميع، دون أدنى مراعاة لحقوق الآخرين، يحسبون أن الديمقراطية مجرد صناديق اقتراع، ماداموا قد حصلوا على أكثرية الأصوات فيها، فلهم الحق بعد ذلك، أن يصنعوا ما يشاؤون، وأن يدوسوا على كل من يقف في طريقهم، وأن يهدموا الديمقراطية بطريقة ديمقراطية، وينتهكوا أبسط مبادئها وأهدافها الواردة في مواد الدستور الكويتي، التي أقسموا على احترامها والعمل بها، وأولاها الحريات، حرية الرأي والتعبير والاعتقاد والعبادة، والمساواة بين المواطنين بكل أطيافهم، والتسامح مع الآخر وعدم إلغائه، وضمان حقوق الأقليات.

إن «رغبة الناخب الكويتي» الأخيرة، التي «حتودينا بداهية» على ما يبدو، قد أتت لنا اليوم ببعض النواب الذين كل همهم هو «تربية» المواطنين و«تهذيب» أخلاقهم، وهو ما يعني جعلهم نسخة كربونية مطابقة لهم، بهيئتهم ولباسهم وأفكارهم، وتزمتهم وانغلاقهم على الذات!

وكل مخالف لهذه النسخة المثالية «المعتمدة»، من قبل القائمين على إنشاء لجنة الظواهر السلبية «رمز الجودة»، هو خارج عن عصا الطاعة، ينبغي إلغاؤه وكتم أنفاسه والتدخل في أدق خصوصياته!

لو كان الأمر بيدي يا سادتي، لأعدت هذه الانتخابات مرة واثنتين وعشرا، ولعملت لها «فلترة» تنقيها من كل الشوائب الانتخابية التي لازمت «رغبة الناخب الكويتي» أخيرا، لتقوم بإيصال الأفضل والأكفأ بعيدا عن الأهواء القبلية والمذهبية، فاحمدوا الله ألا سلطة لي إلا على هذا القلم، أو هذا «الكيبورد» إن أردتم الدقة!