تطالب المستشرقة الإيطالية ريتا دي ميليو، (أستاذة دراسات الشرق الأوسط والعالم الإسلامي في جامعة روما) ومؤلفة كتاب «الإسلام... ذلك المجهول في الغرب»، العالم الإسلامي بضرورة العمل على إنشاء ما يمكن تسميته بمراكز «الاستغراب» على غرار مراكز الاستشراق المنتشرة في الغرب، للتغلب على أصحاب النظرية التصادمية, وانسحاق الثقافات الدينية المختلفة في بوتقة العولمة, من خلال تقديم الصورة الحقيقية للإسلام.

Ad

«الجريدة» التقت دي ميليو أثناء زيارتها الأخيرة إلى القاهرة, بهدف طرح النسخة العربية من كتابها في مصر، فكان معها الحوار التالي

كيف تعرفت الى الإسلام وما هو دافعك الرئيس من خلال تأليف «الإسلام... ذلك المجهول في الغرب»؟

درست اللغة العربية لأنني أردت أن أعرف الإسلام عن قرب من خلال قراءة تراثه باللغة الأصلية التي كتب بها. تعرفت الى ماهية الإسلام وتعلمت قيمه السمحة في المملكة العربية السعودية حيث قضيت جزءاً كبيراً من حياتي هناك، نظراً الى عمل والدي كطبيب في المستشفيات السعودية، وسطرت كتابي لتعريف الغرب بحقيقة هذا الدين. كانت هذه التجربة بمثابة شهادة محبة من امرأة مسيحية إلى كل مسلم، عبر تقديم فكرة شاملة عن العقيدة الإسلامية كما يمارسها معظم المسلمين. الكتاب موجه إلى القراء الإيطاليين خصوصاً والغربيين عموماً الذين يجهلون حقيقة الإسلام أو يعرفونه بطريقة خاطئة.

ما الرسالة الأساسية التي توجهينها إلى الغرب عبر الكتاب؟

أشير إلى أن كتابي هو في الواقع إسهاب وتعميق لكتاب صغير حول مقتطفات من القرآن الكريم، كتبته منذ أعوام للمركز الثقافي الإسلامي في روما، أما الكتاب الجديد فيحتوى على جزءين، يتحدث الأول عن الدين الإسلامي عموماً وعن شخصية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وصفاته خصوصاً، أما الجزء الثاني فيتناول الجهاد في الإسلام والتاريخ الإسلامي الحديث، حرصت على تفسير الجهاد تفسيراً علمياً منهجياً ليعرف القارئ الغربي الفارق الشاسع بينه وبين الإرهاب. اكتشفت أن الطريقة التي يتبعها الكتاب الغربيون في عرضهم للإسلام والجهاد الإسلامي تُظهر المسلمين كأنهم وحوش يهوون سفك الدماء تحت ستار الحرب المقدسة، كذلك لا يفهم المواطن الغربي أن جزءاً كبيراً من أسباب توتر العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي، خصوصاً حول إشكالية الجهاد كفريضة إسلامية، يعود في الأساس إلى وجود مشاكل سياسية خطيرة جداً، لعل أبرزها القضية الفلسطينية. شخصياً أعتقد أن الفلسطينيين ضحية مخططات الصهيونية العالمية، ومن الإنصاف عدم إنكار حقوقهم التي انتهكت.

كتبتِ عن الجهاد في الإسلام، كيف تنظرين الى الخلط الواضح من قبل الغرب بين الجهاد كفريضة إسلامية وبين الإرهاب؟

يعود أحد أبرز انتشار الخلط إلى إحجام الحكومات الإسلامية عن نشر حقيقة الجهاد في الإسلام باللغات غير العربية. شخصياً، على الرغم من كوني غير مسلمة وجدت لدى قراءتي المتعمقة، أن ثمة اختلافات جذرية بين الجهاد والإرهاب.

يبدأ الأول من جهاد النفس وصرفها عن فعل السوء، وحتى الجهاد المسلح، كأمر مسموح به في الإسلام، له شروط عدة أبسطها ضرورة أن يدعو له الحاكم المسلم، وليس أي شخص آخر، ولو نظر كل إنسان في العالم إلى مبررات الجهاد في الإسلام لأدرك أنه لا يعني الإرهاب مُطلقاً، وأن محاولات «أرهبة» الجهاد الإسلامي إنما هي زعم غربي باطل تروِّج له المؤسسات «الصهيوأميركية»، فالجهاد مثلاً هو حق من حقوق كل من احتلت أرضه من قبل شعب آخر أو دولة أخرى، لماذا إذاً في الغرب، يطلقون على المقاومة الفلسطينية أو مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق إرهاباً؟ وإذا صح ذلك الزعم، لماذا أطلقوا على العمليات التي شنها الفرنسيون على جيش ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية مقاومة فرنسية؟ ولماذا خصصوا لها صفحات كثيرة في التاريخ الأوروبي ليبرزوا عظمة تلك المقاومة؟

إصرار الغرب على وصف العمليات الاستشهادية الفلسطينية بأنها إرهاب هو من قبيل التناقض الذي أرفضه، لا يملك الفلسطينيون السلاح اللازم لمواجهة العدوان الإسرائيلي، لذا يعتبر لجوؤهم إلى تفجير أنفسهم في المحتل الصهيوني عملاً عسكرياً شريفاً يحث عليه الإسلام، ولا يستطيع عاقل أن يصفه بالإرهاب. طالما أن الفلسطيني لا يملك سوى هذا العمل، فهو أمر يدخل في نطاق الجهاد الذي أباحه الإسلام.

كمسيحية تعيش في إيطاليا، كيف تنظرين إلى العلاقة بين المسيحية والإسلام في الدولة التي تحتضن الفاتيكان رمز الكنيسة الكاثوليكية في العالم أجمع؟

الإسلام هو الدين الثاني في إيطاليا من حيث الانتشار، يبلغ عدد المسلمين فيها أكثر من مليون ونصف المليون مسلم. يجب أن نفرق ونحن نناقش أبعاد العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الإيطاليين بين المثقفين وغير المثقفين. يعتبر المثقف الإيطالي، مثل غيره من المثقفين في الغرب، من القراء الجيدين لمختلف الثقافات العالمية، ومنها الثقافة الإسلامية، ويتعامل معاملة راقية مع المسلمين. أما الجهلاء المتأثرون بالدعاية العالمية السلبية التي يتعرض لها الإسلام في السنوات الأخيرة، يتعاملون مع المسلمين بطريقة غير إنسانية وغير حضارية، ويرون أن كل مسلم إرهابي، أو على أقل تقدير مشروع إرهابي.

للأسف ليست لدى معظم الإيطاليين معلومات كافية عن حقيقة الإسلام، بل إن معظم الغربيين في الحقيقة «لا دينيّ»، لذلك لا يقبلون بوجود متدينين في أي دين إلى جانبهم. من هنا، يمكن القول إن مثقفي الغرب يعرفون حقيقة الإسلام كدين مستنير، أما العامة فتسيطر عليهم سياسة تغييب العقول المفروضة عليهم من قبل السياسات الإعلامية الظالمة. السؤال الذي أطرحه على المنتديات الغربية التي أشارك فيها: ألا يعد استهدافنا للمقدسات والرموز الدينية الإسلامية بالسخرية، من أشرس أنواع الإرهاب؟

يشكل حرص الغرب على نشر الإباحية والفواحش في العالم الإسلامي نوعاً من أنواع التطرف الفكري المرفوض.

ما رأيك في الاعتداءات التي تعرض لها الإسلام على يد رموز الفاتيكان، مثل البابا بندكتوس السادس عشر نفسه وسكرتيره الخاص، إذ كال كل منهما الاتهامات للإسلام؟

عندما تحدث البابا عن الإسلام تجنى عليه وأخطأ في حق الجميع، لكنني أعرف أنه أدرك في ما بعد أنه لم يكن يعي حقيقة ما يقول وحقيقة وقع هذا الكلام على مليار ونصف مليار مسلم، قال بعد ذلك إنه كان يتكلم بشكل عام ولم يقصد الإساءة للإسلام، ندم على حديثه، لأنه قوبل برفض شديد من جانب المسلمين، بل ومن جانب عدد كبير من الإيطاليين والغربيين، ممن قرأوا وعرفوا حقيقة الإسلام السمحة ويعملون لإقامة علاقات صداقة ومحبة بين الغرب والإسلام، فوجدوا أن كلمات البابا تهدد هذا السلام العالمي المنشود، وأرى أن أبرز دليل على ندمه هو الزيارة التي قام بها لتركيا، وزار خلالها المسجد الكبير في العاصمة أنقرة، بالإضافة الى استقباله في روما قادة العرب والمسلمين وحرصه على إطلاق الدعوات إلى حوار الأديان.

للبابا كتاب شهير عرضت له الصحف أخيراً، حذَّر فيه من انتشار الإسلام وأن أوروبا في سبيلها إلى التحول إلى بقعة من بقع الإسلام، ألا يُعد ذلك تحريضاً على الكراهية بين الغرب والشرق؟

لا أعرف شيئاً عن الكتاب، لذا لا أستطيع التعليق عليه، لكنني أرفض عموماً الدعوات إلى الصدام الديني أو الحضاري، وأرى أن كل زعيم ديني يؤمن أن دينه هو الصواب، لذلك من الطبيعي أن يتعصب له، من هنا يخشى القادة الدينيون في الغرب الإسلام بسبب قوة انتشاره، وتخشى الكنيسة الغربية من أن يفقد الغرب الإيمان بالمسيحية ويدين بالإسلام، لكن ما لا يعرفه رجال الدين في الغرب هو أن معظم الأوروبيين لا دينيّ، وليس لديه إيمان بأي مقدس كان. تؤكد إحصائية نشرت اخيراً أن 60 % من الأوروبيين لا يحضرون قُدَّاس الأحد، ما يعني أن هؤلاء لا تربطهم بالمسيحية أية علاقة إلا الإسم فحسب، وهو أمر يخيف البابا وغيره من القادة الدينيين، وكمسيحية لا أذهب الى الكنيسة أبداً ولا أحتفل بأي عيد من الأعياد المسيحية وثمة الملايين من المسيحيين مثلي. في ظل امتلاك الإسلام القيم والمبادئ السامية هو قادر فعلا على جذب هؤلاء الملايين، الأمر الذي يُشكل هاجساً مرعباً لدى كل زعيم ديني، لأنه سيفقد سطوته الدينية في حال غَيّر أتباع الدين الذي يبشر به ديانتهم بأخرى، خصوصاً إذا كانت في قوة الإسلام.

كمستشرقة معاصرة، هل ترين أن الاستشراق أدى دوراً سلبياً في تشويه علاقة الغرب بالإسلام؟

يجب التعامل مع قضية الاستشراق بإنصاف. في الماضي، نظر مستشرقون غربيون إلى الإسلام نظرة محايدة، لكن على الجانب الآخر، أساء مستشرقون آخرون إلى الإسلام وإلى علاقته بالغرب، وساهموا في الأزمة الكبرى التي نعاني منها اليوم بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، لم يقدم هؤلاء الإسلام بصورته الحقيقية، ومثلما كانت الحال في الماضي لم يتغير الموقف اليوم. ثمة مستشرق محايد وآخر غير محايد، لكن يؤكد الواقع ضرورة أن يدلي المسلمون بدلوهم ليساهموا في دعم جهود المستشرقين المحايدين، ولا مانع من أن يمد العالم الإسلامي هؤلاء بالمواد العلمية والأكاديمية، وثمة حاجة ماسة لإنشاء ما يمكن تسميته بمراكز «الاستغراب» على غرار مراكز الاستشراق المنتشرة في الغرب.

كيف تنظرين إلى الإساءات الغربية المتكررة لنبي الإسلام بين الحين والآخر؟

كل من يسيء إلى الإسلام غبي ولا يعرف حقيقة هذا الدين السمح، ولو عرف حقيقة النبي محمد (صلعم) لما فعل ذلك. لم يكن محمد رسولاً أو زعيماً دينياً فحسب، بل كان أيضاً أعظم شخصية في تاريخ الإنسانية ساهمت في صنع أمة قدمت الحضارة التي قامت على أسسها حضارات لم تكن لتظهر لولا المبادئ التي أرساها محمد في نفوس أصحابه، من حب الخير للآخرين والعمل على التعايش السلمي مع جميع البشر.

كان محمد نبياً وكان زعيماً سياسياً عبقرياً، لذا لا يليق أبداً أن نسيء إلى هذه الشخصية العظيمة. أدعو المسلمين الى أن يبذلوا الجهد لنشر السيرة الحقيقية للنبي محمد، وكذلك القصة الحقيقية للإسلام كي لا يقع المواطن الغربي البسيط ضحية الإعلام الموجه، الذي يحاول دفع العلاقة بين الغرب والمسلمين في اتجاه الصدام والكراهية المتبادلة.

برأيك، مَن المسؤول عن إثارة البغضاء والكراهية بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي؟

أدت الصهيوينة العالمية دوراً في إثارة الحقد والبغضاء بين المسيحيين والمسلمين لتحقيق مصلحة إسرائيل في التوسع والتمدد والبقاء.