إنجاز... ولكن!!

نشر في 27-05-2008
آخر تحديث 27-05-2008 | 00:00
 صالح القلاب

لا يجوز الانتقاص من الجهود التي بذلتها قطر « كثَّر الله خيرها» ولا يجوز التقليل من أهمية اتفاق الدوحة، لكن لا يجوز وضع كل هذا في سوق «المزايدات» العربية، وفي سوق «المناكفات» اللبنانية.

ما تم في الدوحة يعتبر إنجازاً كبيراً، لا يستطيع أيٌّ كان الانتقاص منه أو التشكيك فيه، وذلك رغم أن الأمور بـ«خواتيمها»، كما يقال، ورغم أن بعض اللبنانيين مازالوا يضعون أيديهم على قلوبهم، وأن وليد جنبلاط قال: «إن المهم هو حماية العرب لهذا الحل وأن الشيطان في التفاصيل»... إن هناك من يعتبرها مجرد هدنة ستنتهي بمجرد رحيل بوش وإدارته عن البيت الأبيض، وإن هناك من يقول إن بعض الطوائف وبعض الجماعات والمجموعات ستستغل هذه الهدنة لتشكل ميليشياتها العسكرية ولتستورد الأسلحة والذخائر.

لكن وفي كل الأحوال فإنه لا يجوز التشكيك بهذا الإنجاز ولا يجوز إخضاعه لاعتبارات ومعايير الربح والخسارة بين القوى اللبنانية المتناحرة والمعادية، ولا يجوز أن يستخدم لإظهار رابح وخاسر ومنتصر ومهزوم بين من فرضت عليهم فرضاً تسمية «محور المعتدلين» ومن سموا أنفسهم «فسطاط الممانعة والمقاومة»... فالمهم هو أن يكون اتفاق الدوحة بداية قيامة لبنان، والمهم هو تجنيب هذا البلد الجميل الحرب الأهلية المدمرة.

إنه لم يكن ممكناً أن يكون إنجاز الدوحة هذا لو لم تقف المملكة العربية السعودية وراءه ولو بطريقة غير معلنة، ولو لم تؤيده مصر أو لم يتم استدراج إيران وسورية إليه استدراجاً، ولو لم تباركه الولايات المتحدة الأميركية، ولو لم تضطر فرنسا لمباركته، ولو لم يتم التوصل إليه تحت راية الجامعة العربية وتحت رعايتها، ولو لم يزرع انقلاب حسن نصرالله الرعب في قلوب اللبنانيين من أن البديل عن التنازلات المتبادلة هو الحرب الأهلية المدمرة. لو أن انقلاب «حزب الله» لم يفشل في تحقيق أهدافه ولو أنه لم يستطع الوصول إلى منطقتي الشوف والجبل، ولو أن المناطق المسيحية لم تغلق أبوابها في وجهه، ولو أن طرابلس لم تتحرك بالطريقة التي تحركت بها ضده، ولو أن اجتياح بيروت الغربية لم يحرك الدول العربية والإسلامية، ولو أن إيران لم تشعر بخطر اندلاع حروب مذهبية سنية شيعية، لما كان هذا الاتفاق، اتفاق الدوحة، ولما كان القطريون قد حققوا هذا النجاح الذي تحقق.

لا يجوز الانتقاص من الجهود التي بذلتها قطر « كثَّر الله خيرها» ولا يجوز التقليل من أهمية اتفاق الدوحة، لكن لا يجوز وضع كل هذا في سوق «المزايدات» العربية، وفي سوق «المناكفات» اللبنانية، فالصيغة التي تم إقرارها يمكن اعتبارها صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، التي بقيت تنتهي بها الحروب الأهلية في لبنان منذ حرب ستينيات القرن التاسع عشر إلى حرب عام 1958 إلى الحرب الأخيرة التي استمرت عقداً ونصف العقد، والتي لم تبق ولم تذر، ودخلت كل بيت وشارع وقرية ومدينة واقتتل خلالها الجار مع جاره، وكل هذا مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن الشيطان يكمن في التفاصيل، وأنه إذا كانت هذه هي مجرد هدنة فإن المعروف أن معظم الهدنات التي عرفها التاريخ كانت مجرد استراحة بين شوطين.

هناك التدخل الإقليمي السافر المتواصل، وهناك سلاح «حزب الله» وهناك معركة الانتخابات التشريعية التي من المقرر أن تجري في العام المقبل، وهناك العلاقات اللبنانية-السورية «الاعتراف المتبادل وترسيم الحدود وعدم التدخل في الشؤون الداخلية» وهناك إسرائيل ومشاريعها وتطلعاتها، وهناك أميركا ومخططاتها المستقبلية في المنطقة... وهناك المحكمة الدولية واستحقاقاتها، وهذا كله يعني أن اتفاق الدوحة يقف على كف عفريت، وأنه قد يتحول إلى مجرد التقاط للأنفاس بين جولتين إذا لم تجر حمايته من كل هذه الشياطين التي تحيط به.

لابد من أن يبقى هذا التفاهم بين المملكة العربية السعودية وقطر حتى يتحول اتفاق الدوحة من مجرد هدنة مؤقتة إلى حل دائم، ويجب ألا تأخذ نشوة الأشقاء القطريين بإنجازهم إلى السعي لاستبدال «الطائف» بهذا الاتفاق، ولابد أن يدرك «حزب الله» ويفهم أن غطاء «المقاومة» قد انكشف ولا عودة له، وأن صيغة الدولة داخل الدولة لم تعد مقبولة، وأن اختطاف الطائفة الشيعية قد وصل إلى خط النهاية، وأنه لابد مما ليس منه بدٌّ، وأن تجنب الحرب الأهلية المحرمة يقتضي التسليم بهذا الواقع المستجد... وغير هذا فإن الدوحة ستنهار وإن الرصاص «سيلعلع» من جديد... لا سمح الله.

* كاتب وسياسي أردني

back to top