لست برجل اقتصاد، ولا يسوؤني أن أعترف أني لا أملك إدراكا كاملا لأسباب ما يحصل من أزمة مالية/اقتصادية تضرب العالم من أقصاه إلى أقصاه، بما فيه أسواقنا المالية، لكن لدي من القدرة على التمييز بما يمكنني من القول إن ما يحصل هو مشكلة اقتصادية حقيقية لسنا في عصمة من التأثر بها سلبا، وبالقوة نفسها التي تأثرت بها الاقتصادات العالمية، وإن المقولات الرسمية وشبه الرسمية التي خرجت تقول إن اقتصادنا متين وأن بنوكنا ومصارفنا في حصانة عن التأثر بما يجري، ليست مقنعة، بل في محل تشكك كبير!

Ad

قدرة الحكومات على إدارة بلدانها تتضح في أوقات الأزمات، سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، أما نجاحاتها في أوقات الرخاء والسعة والوفرة فليست مقياسا يمكن الاعتداد به. لذلك فالناس تنظر بترقب وقلق لما ستقوم به حكومتنا وأجهزتها للتعامل مع هذه الأزمة العالمية الآخذة في سحق وطحن اقتصادات دول العالم الواحد تلو الآخر. قلت ينظرون بقلق لأن تجربة الناس مع الحكومة غير مشجعة في كثير من الأزمات السابقة التي مرت علينا في ظروف أخف وطأة من الظروف الحالية بكثير، ولأنهم يعلمون بأن الحكومة لم تستفد من أوقات الرخاء والوفرة لتحصين البلاد من شر أوقات العسر والضيق والأزمات، لا بتجهيز الخطط، ولا بالسعي لتنويع الموارد، ولا حتى بتهيئة الناس لمثل هذه الأيام الصعبة.

لكنني في المقابل، فلست أقف مع من ينادون اليوم بتعليق التداول في البورصة على سبيل المثال، ولا من ينادون بضخ الأموال فيها هكذا من دون وعي لحسابات ومآلات الأمور. البورصة ليست محلا لبيع الدواجن ليتم إغلاقه ومعاودة فتحه هكذا، كلما مرض الدجاج أو ارتفع سعر البيض!

مشكلتنا نحن الشعب الكويتي، أننا صرنا أسرى لعقدة الرعاية الحكومية. بالنسبة لنا يجب على الحكومة أن تؤمن لنا السكن والوظيفة وألا تحاسبنا على قلة الإنتاجية وأن تعطينا قرضا للزواج وكهرباء وماء بسعر مخفض، أو ربما بلا سعر، وبطاقة تموينية، وعليها كذلك أن تسقط قروضنا كلما استقرضنا، وأن ترفع من مستوى البورصة وتضخ فيها المال كلما انخفضت، بل ربما حتى أن تهب لتعالج اخفاقات المخادع ومشاكل الفحولة، حتى أصبحنا شعبا لا يشعر بالمسؤولية، لا تجاه بلده، ولا حتى تجاه قراراته الشخصية كمثل أن يحمل على ظهره قرضا بعشرات الآلاف من الدنانير ليغامر بهذا في المال في البورصة، وهو لا يعرف عن الاستثمار شيئا!

أرجو ألا أُتهم بأني صرت من المدافعين عن الحكومة، فسجل مقالاتي الحافل بانتقاد سوء أداء حكوماتنا المتعاقبة وتخبطها حتى الساعة كاف لأن يشهد لي، ولكنني وكفرد من الشعب الكويتي أجد اليوم أن من الواجب علي أن أشارك بتحمل مسؤولية انهيارنا المجتمعي بالاعتراف بأننا صرنا نعاني «ثقافة اللامسؤولية»، وثقافة الاتكاء المطلق على الرعاية الحكومية حتى تنقذنا من المشاكل كلها، بما فيها مشكلات هي من كسب أيدينا.

يتعين علينا أن نفيق من هذا النوم العميق، ونبدأ بالمشاركة الفعلية الجادة في صنع مسار معيشتنا وأسلوب حياتنا، فزمن الرخاء والرعاية الحكومية الأبوية لن يستمر، حتى إن ضغطنا عليها سياسيا فلن تستطيع لأن العالم بأسره يتغير، والوضع أصعب بكثير من قدرتها وقدرة أي حكومة في عالم متلاطم أصبح لا بقاء واستمرار لأي شعب فيه، إلا لتلك الشعوب المنتجة الفاعلة المشاركة في كتابة صفحات حياتها بيدها!