قبيل كل تشكيل حكومي جديد، يحلو للصحافة أن تطلق سؤالا معتادا عن كيف تريدون أن يكون تشكيل الحكومة الجديدة، وكيف يجب أن يكون اختيار الوزراء؟ ودائما يجيب الجميع بلا استثناء بأنهم يريدونها حكومة قوية بعيدة عن المحاصصة السياسية والقبلية والطائفية، وأن الوزراء يجب أن يكونوا من ذوي الكفاءة والمتخصصين التكنوقراط.

Ad

سؤال متكرر إلى حد التهتك، وإجابة متكررة إلى حد اللاتأثير... تطلق الصحافة هذا السؤال كلازمة معتادة مع كل تشكيل حكومي جديد لملء مساحة الصفحات الداخلية، ويجيب الناس بهذه الإجابة لأنها الإجابة التي لن يناقشهم فيها أحد!

منذ أيام كلمني أحد الصحافيين من إحدى الصحف الزميلة وسألني السؤال نفسه، فضحكت وقلت له هل تريد الإجابة المعتادة أم شيئا مختلفا؟ قال: أريد ما تعتقده، قلت: أعترف لك بأني لا أدري على أي أساس يجب أن يكون تشكيل الحكومة واختيار الوزراء، قال متعجبا: ماذا تعني؟!

أجبته بأني أرثي جدا لحال رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد وهو منشغل هذه الأيام في تشكيل الحكومة، فبالرغم من أنه صرح منذ أيام بأن الكويت تزخر بالكفاءات التي تصلح لتسلم الحقائب الوزارية، فإن الأمر ليس بهذه البساطة.

إن المشكلة ليست في وجود كفاءات من عدمه، إنما في مجمل النظام السياسي الذي سيعمل فيه مَن سيتم اختيارهم كوزراء. لا أحد يستطيع أن يقول إن حكومات الشيخ ناصر المتعاقبة كلها كانت خالية من الكفاءات، ومع ذلك فهذه الكفاءات جميعها حين صارت بين مطرقة وسندان الواقع السياسي المحمل بعشرات الملفات المتأزمة، وفي أتون محرقة التهديد المستمر بالاستجواب لأدنى وأتفه الأسباب، وفي كرنفال تصفية الحسابات السياسية التي تحركها أياد ظاهرة وخفية، وجدناها قد فقدت كل قدرة على القيام بعمل أي شيء.

لهذا فكل كويتي يوقعه القدر في أن يكون وزيرا، وبغض النظر عن مدى حماسه ونظافة يده وكفاءته وخبرته، سيجد نفسه في مواجهة ظروف أكبر منه بكثير، وسيكتشف أنه قد دخل محرقة سياسية ستحرقه إلى الأبد، فلا هو الذي بقي في عمله السابق الذي كان يمارس فيه تخصصه بكفاءة حسب ما كان ممكنا ولو أقل القليل، ولا هو الذي سيستطيع أن يفعل شيئا في التشكيلة الحكومية التي ستلفظه خلال فترة لا تكفي لأي إصلاح، كما فعلت مع كثيرين قبله وستفعل بعده!

ليس محقّاً مَن يجعل كل الملامة في عنق الشيخ ناصر، فالرجل حاول أحيانا أن يجعل كل حكومته من نسيج متقارب محسوب على تيار محدد من باب أن تعمل بروح الفريق الواحد، وإذا بها تقع تحت قصف التيارات السياسية الأخرى بداعٍ ومن غير داعٍ، وحاول أحيانا أن يجعلها ممثلة لكل الأطياف والأذواق كعلبة «الماكنتوش»، وإذا بالوزراء يتصارعون فيما بينهم، ويستقوي كل وزير منهم على الآخر بجماعته وتياره!

إنها مهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، على الشيخ ناصر، وعلى كل رئيس حكومة كائنا من كان، أن يواجهها مرة بعد مرة، لأن هذا هو واقعنا وهذه هي تياراتنا السياسية وهذه هي أطيافنا الكويتية، وهذه هي حكايتنا المتكررة!

في ظل هذا الواقع، وفي ظل هذه الآليات التي تحرك العمل السياسي، وطالما أنه لم يمسسها تغيير على مستواها الجذري، فلا حكومة التكنوقراط والكفاءات... ولا حكومة الترضيات والمحاصصة... ولا حكومة التيار الواحد ستستطيع أن تفعل شيئا، وكلها محكوم عليه بالفشل الذريع.

إن الحكومة الوحيدة التي يمكن أن تواجه هذا الواقع هي حكومة تتكون من مجموعة مؤمنة بالشيخ ناصر المحمد موالية له كرئيس، مجموعة صقور وسباع شرسة لا تهاب مواجهة منصة الاستجواب إن هم هُددوا بها، وتمتلك ذكاء وحنكة وقدرة على مواجهة وسائل الإعلام حتى لا تقع في تصريحات التخبطات التي لطالما رأيناها من وزرائنا، ولا يحسب أفرادها على أي تيار سياسي يستمدون منه التوجيه على حساب رئيسهم، رئيس الحكومة.

شيء صعب؟ ربما، ولكنه هو الحل الوحيد في ظل هذا الواقع الصعب، وكما قالوا في المثل الغربي: «عندما تصبح الظروف صعبة، فلا يتقدم إلا الأشخاص الصعاب» (الأقوياء)!