البعد الأخلاقي في مأساة غزة!
في 12 ديسمبر الماضي احتجزت السلطات الإسرائيلية في مطار تل أبيب، الأميركي ريتشارد فولك، وهو أستاذ قدير في القانون الدولي، ويشغل منصب المقرر الخاص للامم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكان فولك في طريقه لزيارة الضفة الغربية وقطاع غزة للاطلاع على الأوضاع الإنسانية المتدهورة لقرابة 1.5 مليون فلسطيني، الناتجة عن الحصار. وقد جرى احتجازه في غرفة انفرادية، كما تم تفتيشه، وتفتيش أوراقه بصورة تعسفية ثم رُحل من البلاد. وقد زاملت ريتشارد فولك ومن قبله جون جودارد في هيئة خبراء الأمم المتحدة الدولية، وكانا يتعرضان لكل أنواع المضايقات من قبل إسرائيل لإعاقة قيامهما بمهامهما الإنسانية، وكشف الممارسات العنصرية واللاإنسانية المستمرة في فلسطين، كما لم تتردد إسرائيل في مضايقة رئيس بعثة دولية أخرى، وهو القس ديزموند توتو، المكلفة من قبل مجلس الأمن للتحقيق في أحداث مجازر بيت حانون عام 2006.الموقف الإسرائيلي يرى في ممارسات المضايقات للمبعوثين الدوليين انها تتلخص في أنه من الأفضل أن نخسر الرأي العام الدولي على المدى القصير، مقابل ما قد يحدث في حالة التعاون من احتمال تقديم إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية. وهو منطق ثابت ومستقر ولا يتغير، ويتجاوز بمراحل المجازر الجارية حالياً في غزة، وهو نهج منظم يتجاوز الخلاف السياسي بين «حماس» و«فتح»، ويتجاوز بمراحل حتى التباينات في الموقف السياسي، فاستمرار الحالة الفلسطينية بوضعها المأساوي، يُعد من أكبر المشاكل الاخلاقية في العالم، فمهما تحدث المتحدثون عن ضرورة احترام حقوق الإنسان في المنابر الدولية، فلا يمكن أن ينسجم المجتمع الدولي مع ذاته إنسانياً، من دون ان يتحقق انفراج عادل للقضية الفلسطينية، والمرتكز على المعايير الدولية المعتمدة لحقوق الانسان.
ويبقى الجانب المأزوم هنا، ليس في الجانب السياسي، الذي يمكن أن يقال فيه الكثير، ويُختلف حوله، ولكنه يتمثل في الطابع العنصري للمؤسسة الحاكمة في إسرائيل، نظام يريد أن يأخذ كل شيء ولا يعطي أي شيء، ويصر على الاستمرار في ذلك النهج محمياً بمنظومة القوة العسكرية، والتحالف اللصيق مع النظام السياسي الغربي، وتدني القدرات العربية والاسلامية. كما ان المعضلة تتجلى في وجهها العربي، فأنظمتنا العربية والاسلامية، في أغلبها، هي الوجه الآخر للحملة العنصرية الإسرائيلية، ومن يرد أن يستجير بها في مواجهة إسرائيل فهو مثل ذاك الذي يستجير من الرمضاء بالنار، فأنظمتنا العربية والكثير من تنظيماتنا السياسية التي ترفع صوتها معترضة، هي أنظمة خربة، مهترئة، تتحدث عن حقوق الإنسان في إسرائيل، وكرامة الانسان المواطن على أرضه لا تساوي شيئاً، فهم كالفاسد الذي يتحدث عن الاصلاح والنزاهة.يُروى أن رجلين؛ أميركياً وروسياً التقيا في زمن الحرب الباردة، أيام قوة الاتحاد السوفييتي، وتحدث الأميركي مدللاً على رسوخ الديمقراطية في بلاده قائلا: إننا نستطيع أن «نشتم» الرئيس الأميركي في العاصمة واشنطن دي سي، ونسير بمظاهرة من «دبونت سيركل» إلى البيت الأبيض، ونعود إلى بيوتنا سالمين، فرد عليه الروسي قائلا: ونحن نستطيع أن نسير بمظاهرة في موسكو العاصمة و«نشتم» الرئيس الأميركي.إن المجتمع الدولي أمام اختبار، فإما حل عادل إنساني للقضية الفلسطينية، وإلا فإن الازمة الاخلاقية، ومعها الصدقية والعدالة على المحك.