لأن الشيخ يوسف القرضاوي فجَّر هذه القنبلة التي فجرها، بعد أن طفح كيله، فإنه من الضروري العودة الى مرحلة ما بعد انتصار ثورة الإمام الخميني الإيرانية في فبراير عام 1979، وقد عشت هذه المرحلة لإقامتي في طهران كصحافي بعد هذه الثورة مباشرة، حيث احتدم جدل صاخب بين من كانوا يريدون ان تكون ثورتهم ثورة إسلامية وللمسلمين جميعهم وبين من اعتبروها استجابة لـ«الثأر التاريخي»! الذي طال أمده والذي لابد من تحقيقه كأمانة في أعناق «آيات الله» والمعممين الذين تقع على عواتقهم مسؤولية الحفاظ على الرسالة الشيعية الى ان يبعث الله الفَرَجَ وتتحقق عودة الإمام الغائب «الإمام المهدي»... تقدَّس سره.
لقد حاول الذين أرادوا ان تكون هذه الثورة ثورة إسلامية شاملة، ألا يتضمن الدستور «القانون الأساسي» أي نص على المذهب الجعفري الاثني عشري وهم جادلوا طويلاً وأصروا على ضرورة ألا تكون هذه الثورة للشيعة فقط كما جادلوا وأصروا على ألا تجري أي محاولة لتصديرها لا الى الدول الإسلامية القريبة ولا الى الدول الإسلامية البعيدة، وهؤلاء رأوا أنه من الأفضل بناء دولة إسلامية نموذجية منفتحة على كل المسلمين، ولا تتدخل في شؤون الآخرين الداخلية وتحافظ على حقوق الإنسان وتسمح بالرأي المخالف وبالحريات العامة وتكون دولة ديمقراطية تعيش فيها الأقليات القومية والمذهبية والدينية بأمان واستقرار وبعيد عن أي اضطهاد طائفي أو إثني. وبالطبع فإن وجهة النظر هذه لم يحالفها النجاح فقد تدخل الإمام الخميني في اللحظة الحاسمة، وأكد ان الدستور «القانون الأساسي» يجب ان يتضمن نصّاً واضحاً وصريحاً على ان دين الدولة هو الإسلام على المذهب الجعفري الإثني عشري، كما أكد ضرورة ان تكون هذه «الثورة» ثورة دائمة وأن يجري تصديرها بالتبشير المبرمج والمدعوم وبالقوة... وهذا هو الذي حصل منذ اللحظات الأولى والذي يحصل الآن وجعل الشيخ يوسف القرضاوي يطلق هذه الصرخة المدوية ويقول هذا الذي قاله. لكن ورغم إسقاط وجهة نظر الذين نادوا بضرورة ان تكون الثورة الخمينية ثورة إسلامية شاملة والذين أبدوا اعتراضاً على ان ينص «القانون الاساسي» على ان يكون دين الدولة هو الإسلام على المذهب الجعفري الإثني عشري فإن الرأي العام الإسلامي، إن ليس كله فبأغلبه، بقي يؤيد هذه الثورة وبقي يدافع عنها حتى في ذروة حرب الخليج الأولى، ورغم إصرار طهران «الجديدة» على فارسية الجزر الإماراتية الثلاث فإن الفتنة بدأت بين المسلمين تطل برأسها على نحو يذكر بالمواجهة العثمانية - الصفوية المعروفة. لقد بقي المذهب الشيعي يتعايش مع أخيه السني تحت الراية الإسلامية الواحدة سنوات طويلة الى أن ظهرت «الصفوية» متسلحة ببدعة «ولاية الفقيه» الى ان جاءت الثورة الخمينية لتجدد هذه الصفوية ولكن بحركية أفضل وبإمكانات مادية أكثر الى أن بدأت عمليات «التشييع» تأخذ الطابع السياسي الخطير، وهو ما أثار حفيظة الشيخ القرضاوي وجعله يطلق هذه الصرخة المدوية.* كاتب وسياسي أردني
أخر كلام
تأييداً لما قاله القرضاوي!
29-09-2008