لم يعِ الأخ حمد الحمد في افتتاحية مجلة «البيان» لعدد مايو، ما قصدته في مقالي، وراح على طريقة «لا تقربوا الصلاة»، يستقطع سطراً من سياق الحديث، ليوضح ما تخسره الدولة لدعم الثقافة، ولا أدري ما دخل دعم الثقافة بما طالبت به المجلس من مساواة للقارئ الكويتي بنظيره العربي؟!الكاتب الجيد هو «القارئ الجيد»، الذي يقرأ بتمهل وتفكر، ويدرك المعنى المقصود من الكلام، ويتذوق جمال الكلمة وتراكيب الجمل، لا الذي يمر بعينيه على الحروف والكلمات مرور الكرام، من دون أن يفهم منها شيئا، ثم يمسك قلمه لينتقد كاتبها، وحين كان الكاتب الكبير أنيس منصور، كاتبا صغيراً، أراد أن يمتدحه الدكتور طه حسين فقال عنه «إنه أفضل -قارئ- في مصر»، ومرت الأيام والأعوام، ليصبح أفضل قارئ في تلك الأيام، أفضل وأشهر كاتب هذه الأيام، ليس في مصر وحدها، بل في الدول العربية كلها!
هناك أيها الأعزاء، مقولة شهيرة، تنسب إلى وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان وهي أن «العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون»!
أذكر أنني استنكرت هذه المقولة حين قرأتها أول مرة، ولكن بمرور الأيام تيقنت أن الرجل لم يظلم أحدا، وأنه كان محقا في قوله إلى أبعد حد، ففي كل صباح تطلع علينا فيه الشمس، يثبت لي أحد المثقفين العرب، أنه قرأ ولم يعِ ما قرأ، وآخرهم الزميل العزيز حمد الحمد، رئيس تحرير مجلة البيان الصادرة عن رابطة الأدباء!
والحكاية هي أنني كنت قد انتقدت في مقال سابق لي، سياسة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب العرجاء العوجاء، ببيع إصداراته الثقافية للقراء العرب الأعزاء بثمن بخس لا يساوي أغلفة المطبوعات، في الوقت الذي يبيعها للقارئ الكويتي بأضعاف مضاعفة، وكأن الغاية عندهم هي نشر الوعي والثقافة في الدول العربية فقط، أما القراء الكويتيون فلا يبدو أنهم قد خطروا لهم على بال، وربما كانوا آخر من يبالون بهم، ثم ناشدتهم العدل والمساواة على الأقل، وأن يعتبرونا جزءا من الوطن العربي، ويبيعوا لنا إصداراتنا التي تطبع بأموالنا، بنفس الأسعار الرمزية المقدمة للإخوة العرب!
كلام واضح وصريح، فما الذي فهمه وما الذي قاله الأخ حمد الحمد في افتتاحية مجلة البيان لعدد مايو؟!
لم يعِ شيئاً، وراح على طريقة «لا تقربوا الصلاة»، يستقطع سطراً من مقالي من سياق الحديث هو «إن ما يطبع من نسخ لعدد واحد من مجلة عالم المعرفة يتجاوز الـ43 ألف نسخة، فتخيلوا مقدار الخسارة التي تتحملها الدولة كل عام من أجل تثقيف الأمة العربية»!
ليقول بعد ذلك: (في «عالمنا العربي» هناك قراء ولكن ما يعيق القراءة، هو ارتفاع أسعار الكتب الجادة والقيمة، لهذا تباع إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بأسعار زهيدة) ثم يضيف الزميل (أني أؤكد بأن «دعم» الثقافة ليس خسارة طالما يتلقف هذه الكتب أي إنسان «عربي») ثم يقول (لهذا لا يمنع أن «ندعم» الثقافة، وهذه رسالة هامة تقدمها الكويت ولا تطلب حمدا ولا شكورا) ويختتم («دعم» الثقافة واجب ولهذا نأمل استمرار سياسة الدولة في «دعم» الثقافة لأن المردود قد يكون غير ظاهر إلا أنه هام وضروري)!
لا أدري ما دخل دعم الثقافة بما طالبت به المجلس من مساواة للقارئ الكويتي بنظيره العربي؟! وهل يظن الأستاذ الفاضل أنني داعٍ إلى الجهل، حتى أطالب الدولة بوقف دعمها للثقافة؟! مع أن كلامي كان واضحا في مقالي السابق، لكن هذا لا يمنع من تكراره، لأن التكرار يعلم «الشطار»، وباختصار «جحا أولى بورق مطبوعاته» والأسعار الزهيدة يجب أن توجه إلى القارئ الكويتي، والدعم الكامل يجب أن يكون له، لا أن يباع الكتاب في الكويت بدينار ويباع بمئة فلس للإخوة الأعزاء العرب، وهم بشكل عام ليسوا بحاجة لدعمنا، فهيئات الثقافة لديهم تقوم بالواجب وأكثر، وبأسعار أقل من أسعارنا بكثير، وتصلنا هنا بعشرة أضعاف سعرها هناك، ولا بأس بهذا، لأنه أمر طبيعي ومنطقي، ولا اعتراض عليه، أما غير المنطقي فهو ما يصنعه الإخوة في المجلس الوطني، وأتحداهم جميعا أن يذكروا لي هيئة ثقافية حكومية واحدة في العالم، تصنع صنيعهم، وتبيع إصداراتها داخل الوطن أضعاف خارجه!
ما إن أوشكت على الانتهاء من كتابة هذا المقال، حتى تصفحت مجلة البيان التي يرأس تحريرها الأستاد حمد الحمد، ذات التمويل الحكومي، فوجدت أن أكثر من 70% من كتابها من الإخوة العرب، مع أنها يفترض أن تكون متنفسا للأدباء الكويتيين الشبان، ووجدت أنها تباع في الكويت بـ500 فلس، بينما تباع في مصر وسورية بـ150 فلساً فقط!
حقا إذا عرف السبب بطل العجب، فلأن الأستاذ الحمد «عروبي الهوى» وعلى دين المجلس الوطني للثقافة، كان يدافع عن نفسه لا عنهم، وقديما قالوا «كاد المريب أن يقول خذوني»!