اختتمت أمس قمة الكويت الاقتصادية التنموية بعد مخاض عسير عاشته قبل أن ترى النور بأسابيع، بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة الذي أظهر الخلافات العربية-العربية بشكل سافر ومحزن، وتوالت فصول الأحداث التي انتهت بما حدث من مصالحات في الكويت بحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبرعاية وجهود سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، صاحب مبادرة القمة الاقتصادية وأفكارها المهمة بشأن محاربة الفقر والجهل، ومعالجة وتحسين الشأن المعيشي للمواطن العربي.

Ad

الكويت التي وضعت طاقاتها وخبراتها كافة مع نخبة من المتخصصين العرب والأجانب للإعداد لتلك القمة على مدى أكثر من عام بجدية وتفانٍ منقطعَي النظير، كانت تعتقد أن العرب جميعاً وعلى أعلى المستويات، أي القادة، يأخذون الأمر بالجدية والحماس المطلوبين مهما كان الظرف السياسي الذي يحيط بالمنطقة، فقضايا الاقتصاد وتنمية مجتمعاتنا هي في الجوهر سبب ضعفنا السياسي، وقلة -أو انعدام- ثقلنا الإقليمي والعالمي، ووهن شعوبنا العربية ومشكلاتها الدائمة والمستعصية.

ولكن المؤسف، كما ذكر دبلوماسي رفيع، «أن بعض القادة العرب أخذ القمة كمناسبة احتفالية بروتوكولية، وأن العديد منهم بدأ بطلب المغادرة إلى بلدانه في مساء اليوم الأول للقمة... وكانت هناك (ربكة) في مغادرة بعض الزعماء دون أن يحضر جلسة عمل واحدة للقمة، كما أن أسلوب وصول ومغادرة زعيم إحدى الدول العربية خلال ساعات كان مستغرَبا وغير مبرر، ويمثل شكلا من أشكال الاستخفاف بالدولة المضيفة، إن لم نقل أكثر من ذلك، كما أن تصرفاته اعتبرها البعض تعالياً على اجتماع لقادة عرب وأربكت هذه التصرفات مواعيد عقد الجلسات المقررة سلفاً».

الأمر بالفعل عجيب، فالدعوة التي قبلها ولبّاها الزعماء كانت محددة المدة بجلسات على مدى يومين (19 و20 يناير)... فما الداعي أن يغادر رئيس دولة مقر القمة فجراً وقبل الجلسة الختامية؟ وما مبرر غياب معظم زعماء الدول المشاركة عن الجلسة الختامية... ولاسيما أنها تضمنت «إعلان الكويت الاقتصادي التنموي الاجتماعي» المهم الذي يمثل نقلة نوعية في مسيرة العمل العربي بانتقالها من مرحلة المساجلات السياسية إلى مراحل الفعل من أجل تمكين الشعوب- عبر حسن استغلال مواردها ودعم أفرادها بالعلم والاقتصاد- من الحصول على حقوقها المغتصبة؟ أم أن بعض العرب يريد دعماً ومالاً واستثماراً لديه من دون تكامل أو مشاركة في القرار أو صنعه، لأن رهاناته الحقيقية خلف البحر المتوسط والمحيط الأطلسي؟

الحقيقة أن الكويت وأميرها نجحا في إيصال رسالة الممارسات العلمية والعملية للعرب من خلال القمة الاقتصادية للتحول من «الفوقية» إلى مستوى ما يحتاجه المواطن العربي في مدينته وقريته ومزرعته وورشته لحل مشكلاته المزمنة، ولدفع الأمة إلى موقعها الطبيعي، ولكن للأسف... فإن أغلبية الزعماء العرب لم تكن بالجدية المطلوبة، وآثرت المناكفات السياسية- التي تبْرَع فيها- على العمل الأساسي المطلوب في المرحلة المقبلة، ولاسيما أن وجود هؤلاء الزعماء شخصيا كان أمراً ضرورياً لدعم هذا العمل عبر مشاركتهم ووجودهم عند إعلان قراراته.

والمحزن أيضا أن زعماء الدول الخليجية الشقيقة جميعهم غادروا قبل الجلسة الختامية على نحو أثار علامات استفهام لدى قطاع واسع من الشعب الكويتي. ولكن يبدو أن كثيرين من زعمائنا لديهم رهانات أخرى على تنمية اقتصاداتهم وتحسين أوضاع شعوبهم، ولم يصلوا بعد إلى مرحلة الإيمان بقدرة الأمة العربية على العمل العربي الجاد المشترك، فغابت جديتهم واكتفوا بمواقف إعلامية ومهرجانية اعتادها العرب منذ أمد طويل واستمرؤوها ومارسوها على شعوبهم والعالم حتى في أحلك الظروف.