ضويحي الهرشاني يرحل بين الموانئ والمغاصات
لا يعرف البحر إلا من صارع اهواله، ولعل ركوب البحر يعد واحدا من اقدم مواجهات الانسان مع الطبيعة، وفيه تتجلى الارادة الانسانية القديمة باتجاه التغيير والبحث عن ارض جديدة وفرصة جديدة وبشر آخرين.وعلى الرغم من ان القصائد التي تتناول حياة البحر تعد اثرا مهما في الشعر النبطي، الا ان كل الاعمال التوثيقية لهذا الشعر حاولت -للاسف الشديد- القفز فوق هذا الاثر الكبير، وركزت على قصائد الصحراء والقرية، بالاضافة الى القصائد التي تتحدث عن الحوادث التاريخية الكبيرة.
وقد احسن الشاعر عبدالرزاق العدساني صنعا، حين قام بتجميع قصائد الشاعر ضويحي الهرشاني (1840-1907)، وهو الشاعر الذي كادت قصائده ان تذهب ادراج الرياح، بسبب سوء التوثيق وتركيز العاملين في نطاق الشعر النبطي على شعراء دون غيرهم. وعائلة رميح والد الشاعر من اهل «جبلة»، ومن سكان فريج البدر، ويملك اهله سفنا شراعية صغيرة، وقد وهب الشيخ مبارك الصباح لرميح الهرشاني مزرعة في حي «جبلة»، وكان لشقيق الشاعر سعد بن رميح دور بارز في معركة الجهراء، حيث كان يحمل اهل الكويت على سفينته الى «الخويسات» و«كاظمة» ليشاركوا في تلك المعركة.يا بحر فيك الرزقركب الشاعر ضويحي البحر في مرحلة مبكرة، فقد كان البحر مصدر رزقه وركبه تبابا وسببا وغواصا وبحارا، وعرف خفايا هذا العالم الغريب وواجه مصاعبه واهواله، وهو يلخص حياة البحر بهذا الحوار الصريح مع الموج:يا بحر فيك الرزق لاشك مخطوراكبر خطر غوص البحور الغزيرهواكبر مصيبة عندنا يا بو منصورلا هبت رياح ٍقوية خطيرهوإلا نساك السيب في جمة بحوراما نعس والا تعومس مريرهوالنوخذة لا صار ضايق ومحشورنضيق من ضيقه ونعجب نظيرهلعيون خلي سيد البيض والحورسيد البنات اللي نهوده صغيرهلزيد في ذاك الخطر سبع شهوران كان ذا يرضي خوافي ضميرهويتضح من خلال الابيات الاخيرة مدى حاجة الانسان الى معانقة هذا الخطر المرعب، حين يصبح ركوب البحر سبيلا وحيدا للحصول على الرزق والوصول الى الحبيبة وتحقيق الاحلام المشتركة، مهما بلغت صعوبة الامر، فهو يقول في احدى قصائده:والله جزاما راح يمسح دموعهاني لخلي روحتي يم سيلانوالرحيل الى الموانئ البعيدة يرافق ركوب البحر، وفي مدينة بومبي الهندية احدى اشهر المحطات التي كان يقصدها الكويتيون في ذلك الزمان، يأتي العيد فيتذكر الشاعر الحبيبة والوطن ويقول:بالهند جانا العيد يا شين عيدهلو قالوا انه عيد ما ظنتي عيدعيد بليا صاحبي ما نريدهيعل عيده عاد لو انه بعيد انا في بمبي عنه داري بعيدهوهو بدار مطوعين الاواليددار الصباح اهل الفعول الحميدهواقول لهل الدار مبروك العيدمبروك يااللي وسط قلبي وحيدهعسى عليك العيد مبروك وسعيدعيدتي بالعيد هذا قصيدهعيدية مني لمتعب هل الصيدفي غربتي سويت انا هالنشيدهيوم ان حبه بالحشا دايم يزيدهني من شاف دارهويتملك حب الكويت قلب هذا الشاعر الذي اجبرته حياة البحر على فراق بلاده، فيحاول الالتصاق بها من خلال قصائده: هبت علينا الشمال وزادت الموجهيا كبدي اللي من القلاب حاميهاالقاع فيها العسام وصار به روجهعلايم الشيت غير الدول كاسيهااخيرا من شوف «ابو عينين» وبروجهشوفة «غميضة» ومسكنها واهاليهانفسي بوسط الكويت تصير مبهوجهبلادي اللي من الاوطان مغليهاعيني من البعد يا الاجواد مزعوجههني من شاف داره واهتنا فيهاوفي قصيدة اخرى، يحاول ابن رميح ان يتغلب على وجده وشوقه لبلاده، ويستيعض عن ذلك بالدعاء لها بالخير والمطر، من دون ان ينسى بالطبع محبوبته التي تنتظره هناك:ياالله عسى برق ٍتزايد لميعهيمطر على جبلة وشرق الغماميعله من الاجواد يضفي ربيعهيضفي على دار الشيوخ الحشاميدار الصباح من البحر للوريعهومن الوريعة لين ياصل سنامييجيب عشبه من عيون ٍوسيعهمن سندو ابه ما لفتني علاميابو شفادة ٍمثل حمر الوشيعهما شفتها الا يوم طاح اللثاميمن العام حالي يا بن سالم وجيعهحالي من الفرقا طواها اليهاميكانه نسي يا الله عساه القطيعهوكانه صدق يا الله عليه السلاميوبما ان ضويحي من الرجال الذين عرفوا البحر واهواله، نجده يفاخر بذلك بقوله:ركب البحر صعب ما داسوه شردان الرجاجيلما داسه الا شجاع ٍما يهين النفس لا احتاجوهو يصف الحالة الصعبة التي يكون عليها الغواص، ويذكر رحيله وتنقله بين المغاصات العميقة، فيقول:البارحة مرقدي في راس تنورهواليوم بالهير قطوا فوقي حباليوفي موقع خاص داخل السفينة (بين التعاريض والسكان) يتذكر محبوبته، فيقول:انا البارحه بين التعاريض والسكانتلاقيت انا واللي عيوني يودنههجدني وانا في مشغلة بندر الخشبانشمالي ابو عينين وشرقّي من جنهسرى الليل كله ما سرى مدمج السيقانانا والغضي في مرقدي مع هل الفنهوانا اصبحت بالبيضة وهو مع هل الطرشانعلى كوكب حرش ٍالعراقيب يردنهمنقولة من مجلة «الزمن» العدد 33 - 22/5/1999.