لأن لبنان يعتبر «بارومتر» هذه المنطقة، ولأنه المرآة التي تنعكس على صفحتها- بحكم عوامل متداخلة كثيرة- أحداث الشرق الأوسط قبل أن تقع، فإن نجاح فؤاد السنيورة في تشكيل حكومته المنشودة العتيدة، هذا إذا تمت الأمور على خير، سيكون مؤشراً على أن الإقليم كله أو أن هذا الجزء من هذا الإقليم على الأقل، سيلتقط أنفاسه ولو لفترة انتقالية محدودة إلى أن تجري انتخابات الرئاسة الأميركية وتحل محلها إدارة جديدة سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية.
وهنا في هذا المجال يجب الأخذ بعين الاعتبار أن فؤاد السنيورة لم ينجح في تشكيل هذه الحكومة، التي وُلدت ولادة عسيرة بعد مخاضٍ صعب ومعاناة طويلة، لشطارته، مع أنه شاطرٌ بالفعل، ولا لأن «الفرقاء» اللبنانيين، هداهم الله وسدد على طريق الخير خطاهم، بل لأن أطراف المعادلة الخارجية التقت مصالحهم، ولو مؤقتاً، عند نقطة ضرورة تشكيلها الآن... الآن وليس غداً. لا إيجابية الجنرال ميشال عون، الذي يقال، إنه حصل على حصة «الأسد»، هي السبب، ولا حرص السيد حسن نصرالله المفاجئ على الوحدة الوطنية، ولا رغبة الأستاذ نبيه بري، ولا عودة الشبل الذي هو سرُّ جده سليمان طوني سليمان فرنجية، ولا وئام وهاب، ولا عاصم قانصوه وابن عمه علي قانصوه والحزب القومي السوري... إن هذا الإلهام المفاجئ قد جاء من الخارج بعد جهود مضنية بالفعل بذلتها الدوحة التي ترى، ومعها الحق، أنه لا يجوز التفريط في الإنجاز الذي حققته مهما «غلا» الثمن!إن العامل الحاسم في ما حققه الشاطر فؤاد السنيورة، هذا إذا تمت الأمور على خير، هو أن دمشق باتت على قناعة بأنه لا يمكن تجميد الانفجار المرتقب إلى ما بعد رحيل هذا الرئيس الأميركي عن البيت الأبيض، إلا إذا جرى تضميد الجرح اللبناني بطريقة من الطرق، وعلى أساس الشعار اللبناني الذي لم يكن واقعياً ودقيقاً في أي يوم مـن الأيام، وهو شعار: «لا غالب ولا مغلوب»، الذي رفعه صائب سلام بعد حرب عام 1958 الأهلية، رغم أنه كان هناك غالب وكان هناك مغلوب. كما أن المملكة العربية السعودية لا تريد الآن- كما كانت دائماً- لهذا المأزق أن يتفاقم أكثر مما هو متفاقم، وأن إيران باتت أكثر انشغالاً بمضيق هرمز وبقدراتها النووية، وأن الأميركيين غدوا مع الهدنة والمهادنة، وأن فرنسا نيكولاي ساركوزي قد ازدادت قناعة بأن المزيد من الإيجابيات سيحقق هدف الطلاق البائن بينونة كبرى بين دمشق وطهران!ليس أمام حكومة السنيورة، هذا إذا تمّت الأمور على خير، سوى ثمانية أشهر عجاف؛ فهي إن حققت معجزة «جمْع الذئب والحمل» على طرفي مائدة واحدة وتجنبت، على حساب صلاحياتها وهيبتها وواجبها الوطني، فإن الثلث المعطِّل قد يلجأ إلى شلِّها وتعطيل أنشطتها كلها، وفوق هذا كله المحكمة الدولية، كما أن هناك كميناً ينتظرها عند المنعطف القادم وهو الانتخابات البرلمانية المقبلة التي من المفترض إجراؤها في بدايات الربيع المقبل، وربما قبل ذلك. وبالتأكيد، فإن الذين يقفون وراء تحالف المعارضة بقيادة «حزب الله» وحسن نصرالله قد استجابوا لاستحقاق تشكيل هذه الحكومة، التي ينطبق عليها وصف «البطة العرجاء»، لأن من مصلحتهم أن تشرف عليها حكومة مقيدة ومغلولة اليد ومشلولة. إن مجرد نجاح فؤاد السنيورة في تشكيل حكومته، هذا إذا سارت الأمور حسب ما هو مفترض، ليس هو الهدف، بل إن الهدف هو ما بعد هذا التشكيل حيث المحكمة الدولية، والانتخابات اللبنانية المقبلة، وإمكان صمود هذه الحكومة، إذا انفجر لغم الخليج الموقوت، وإذا أُغلق مضيق هرمز، وإذا اندلعت الحرب- التي ازدادت احتمالاتها كثيراً في الأيام الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة. * كاتب وسياسي أردني
مقالات
لبنان: ما بعد الحكومة!
10-07-2008