ملخص الحلقة السابقة

Ad

• حركة التمرد في سلطنة عمان في بدايات القرن العشرين تطالب التاج البريطاني بالاعتراف الكامل بالشريعة كما يمارسها الإمام الإباضي بدلا من النظام الظالم الحالي.

• حميد الفليتي توسط بين البريطانيين وقيادات التمرد الثلاث لإنهاء أزمة العصيان التي قادها الإمام الإباضي.

• قادة التمرد يطالبون بإبعاد القوات البريطانية وفك الحصار على الوارادات.

• مطالبة البريطانيين بحظر استيراد النبيذ والتبغ والخمور.

• كانـــــت هنـــــاك رغبـــــة في الإبــــقـــــاء عــــلى السلــــطان ليتولى الحكم صوريا، في حين يتولى الإمام إدارة البلاد بالشريعة.

• شعب عمان عانى في مطلع القرن الماضي انخفاض الدولار وارتفاع أسعار الغذاء والكساء!

• سلطان عمان ينظم حملة تأديبية ضد بني بطاش أرغمتهم على الاستسلام بعد هجوم شنوه بالقرب من الحامية البريطانية في بيت الفلاج.

• البريطانيون يحظرون التجارة المباشرة بين بلدات الساحل وعدن وبومباي وكراتشي لإجبار السفن على التوقف في مسقط ودفع الرسوم الجمركية هناك.

• السيد أحمد بن ابراهيم ابن عم سلطان عمان وصديقه يستسلم للإمام ويسلمه حصون الرستاق وحزم.

إنني إذ أقدم على تعريب هذه التقارير إلى اللغة العربية، فإن ذلك لا يعني أنني متفق مع ما جاءت به الكاتبة من آراء واستنتاجات، ولكنني أقدمت على تعريب هذه التقارير لأن الكاتبة قدمت معلومات توثيقية عن أحداث مهمة مر عليها ما يقرب من تسعة عقود وقد اطلعت فئة قليلة على هذه المعلومات... لذا وددت تعميم الفائدة لكسر حاجز اللغة آملا بهذا العمل أن أكون قد أضفت جديداً إلى المكتبة العربية.

المترجم

ابن سعود

تعد زيارة ابن سعود إلى البصرة في 27 نوفمبر 1916 حلقة مهمة في حملة بلاد ما بين النهرين -العراق- لا تكمن أهميتها للمراقب العادي فحسب، بل تتجه إليها أنظار كل مهتم ودارس لشؤون الجزيرة العربية السياسية.

وخلال القرن (التاسع عشر)، فإن الجزء الداخلي لشبه الجزيرة العربية تركزت أحداثه التاريخية حول المنافسة بين أميري شمال نجد وجنوبه، وهما ابن رشيد وابن سعود.

عندما كان عبدالعزيز الممثل الحالي لبيت آل سعود صبياً عمره خمسة عشر عاما كانت سلطة وقوة آل رشيد قد بلغت ذروتها، ولقد قام الأمير الكبير محمد بن رشيد بطرد آل سعود إلى المنفى واحتل عاصمتهم الرياض. وفي تلك الفترة كان الأمير ابن رشيد هو المضيف المُكره لريتشارد داوتي Doughty (تشارلز داوتي 1843- 1926، هو رحالة ومستكشف إنكليزي قام برحلة إلى الجزيرة العربية عام 1876 وسمى نفسه خليل، وزار حائل عامي 1877 و1878 إبان حكم الأمير محمد بن رشيد، ولم يكن ضيفا على الحاكم لأنه جاء إليه بغير دعوة... وكان متعاليا فظا يتباهى بمسيحيته أمام أناس متعصبين دينيا، ومع ذلك قام الأمير محمد بحمايته--- المترجم).

مرارة القهر وذاكرة البدو

وبقي عبد العزيز قرابة أحد عشر عاماً منفيا يتجرع مرارة القهر، وفي عام 1902 وجد شيخ الكويت، التي تقع بلاده على الخليج (العربي)، في الأمير الشاب سلاحاً واعدا ضد عدو مشترك هو ابن رشيد فمنحه الفرصة، وبواسطة قوة مؤلفة من نحو ثمانين رجلاً يمتطون جِمالا زودهم بها شيخ الكويت قادها عبدالعزيز باتجاه الرياض، وانقض على حامية ابن رشيد في الرياض على نحو مفاجئ، وأثار الذعر فيها وقتل ممثل ابن رشيد، ونصَّب نفسه أميراً على المدينة التي تمت استعادتها.

وقصة هذه المغامرة الجريئة لاتزال عالقة في مخزون ذاكرة البدو، وهي وصول تلك الفرقة الصغيرة الى بساتين النخيل جنوب المدينة، وانتظار رجالها حتى حلول المساء، ومن ثم تسلق عبدالعزيز وثمانية من رفاقه المنتقين أسوار القصر، وقد أفزع وميض سيوفهم الخصوم النائمين، وعند انبلاج الفجر تم فتح أبواب المدينة ليدخلها رفاق النصر.

ولم ينتهِ الصراع بالاستيلاء على الرياض، وعلى العكس فلقد تجدد عاماً بعد آخر واسترد عبدالعزيز أراضى آبائه وسطر لنفسه اسما رددت صداه الصحارى.

صداقة حميمة مع شكسبير

وبالتفصيل... ففي عام 1913 دفعته طاقته المتفجرة إلى الدخول في ميادين أوسع ذات أهمية سياسية، واستولى على منطقة الإحساء الواقعة تحت سيطرة الأتراك، وقد كانت في الماضي تابعة للرياض، وطرد منها الحاميات التركية واحتل مكانة مرموقة على ساحل الخليج (العربي).

ويرتبط عبد العزيز بعلاقة صداقة شخصية مع الكابتن شكسبير، وكيلنا السياسي في الكويت، ولم يكن هناك شيء أكثر تأكيداً على أن ظهوره على ساحل الخليج سوف يجعله على اتصال مباشر ببريطانيا العظمى، ولكن قبل تحديد المسألة الصعبة بشأن علاقته الدقيقة مع القسطنطينية، فإن اندلاع الحرب مع تركيا أعفانا من كل الالتزامات بالحفاظ على موقف محايد.

في شتاء عام 1914/1915 اتخذ الكابتن شكسبير طريقه للمرة الثانية إلى داخل نجد واشترك مع ابن سعود الذي كان يزحف نحو الشمال لصد هجوم ابن رشيد المجهز والمدعم من قبل الأتراك، والتقت القوتان في (جراب بين الزلفي وبريدة) (وكان النص الأصلي قد جاء به «في سدير»... وهذا خطأ، بل هي في جراب بين الزلفي وبريدة--- المترجم).

هزيمة نكراء متوقعة

وفي التحام غير حاسم، شارك فيه الكابتن شكسبير ليس بصفته مقاتلاً لكنه جرح وقتل، ولقد فقدنا فيه ضابطاً شجاعاً ذا معرفة بوسط شبه الجزيرة العربية (نجد)، يتمتع بمهارة نادرة في التعامل مع رجال القبائل وهذه الخصلة ساعدته بالقيام بمهنة مفيدة ومتميزة، ولقد عاشت أعماله بعده. (وكان الكابتن ويليام شكسبير 1878- 1915، كتب قبل مقتله رسالة إلى غيرترود بيل قال فيها: «إن ابن سعود يستعد الآن للقيام بحملة عسكرية ضد ابن رشيد وسوف يهزم جيش ابن رشيد هزيمة نكراء... وإنه ليس من المستغرب أن نكون في حائل في الشهر القادم، وأصبح أنا مستشارا سياسيا لابن سعود...».

وفي 22 يناير 1915 شارك شكسبير مع جيش ابن سعود المؤلف من 6 آلاف رجل، وقبيل بدء المعركة طلب ابن سعود من صديقه شكسبير ابتعاده عن ساحة المعركة لكونه إنكليزيا إلا أنه أصر أن يبقى مع الجيش، واتخذ مكانا على تل مرتفع يطل على ساحة المعركة، ونصب آلة التصوير ليلتقط صورا للمعركة إلا أن قوات ابن رشيد هاجمت موقعه وقتل بنيران بنادقها)--- (المترجم).

وقفة الشيوخ الأقوياء

ولقد لقيت علاقة ابن سعود ببريطانيا تأييداً شعبياً خلال اجتماع للشيوخ العرب تم عقده في الكويت في 20 نوفمبر، حيث استضافه شيخ الكويت، وفي تلك المناسبة البارزة اجتمع ثلاثة من الشيوخ العرب الأقوياء هم: شيخ المحمرة، وهو على الرغم من أنه من رعايا بلاد فارس فإنه ذو جذور عربية، وشيخ الكويت، وابن سعود حاكم نجد.

وقف هؤلاء الشيوخ إلى جوار بعضهم في محبة ووفاق، وأعلنوا التزامهم بالقضية البريطانية، وفي حديث تلقائي غير متوقع أشار ابن سعود إلى أن الحكومة العثمانية قد سعت إلى تفكيك وإضعاف الأمة العربية، بينما السياسة البريطانية قد استهدفت توحيد وتقوية قادة الأمة.

وكلما استمع المندوب السياسي السامي إلى هذا الكلام الذي سوف يتردد وتتم مناقشته بين الرجال الذين يتحلقون حول كل نار تشعل في المخيمات، فبالتأكيد سيقطف ثمار سنوات خلت من العمل الصبور في الخليج.

سحر شخصية ابن سعود

لقد اقترب ابن سعود الآن (عام 1916) من سن الأربعين إلا أنه يبدو أكبر من ذلك ببضع سنوات. وهو ذو بنية جسمانية رائعة: طوله يزيد على ستة أقدام (يقترب من المترين)، وله حضور شخصي، وقد تعود على القيادة. وعلى الرغم من أن بنيته ضخمة أكبر من أجسام شيوخ البدو التقليديين المعتادة؛ فإن لديه خصائص العرب الأصيلة: فهو ذو أنف معقوف، ووجه واضح الملامح ممتلئ، وشفاة بارزة، وذقن طويلة ورقيقة تحددها لحية مدببة، ويداه رقيقتان أصابعهما ممشوقة، وتلك هي ملامح القبائل العربية القحة.

وعلى الرغم من طوله الفارع وعرض منكبيه فإنه يمثل السمة الغالبة في الصحراء ذات الاتساع اللامتناه، ويحمل انطباعاً متعارفا عليه في الصحراء هو حياة المشقة التي يكتنفها شيء من الغموض ليس على مستوى الفرد، ولكنه متعلق بالجنس البدوي بأكمله، وإذا كان القلق الدنيوي يتحكم في حياة ناس الصحراء البسطاء، فإن ابن سعود حقق سيطرته وبسط نفوذه إلى ما وراء حدوده الموحشة. وعلى الرغم من أن حركاته المتأنية وابتسامته البطيئة العذبة، واللمحة التأملية لعينيه ذات الرموش الثقيلة تضيف إلى مهابته وسحر شخصيته؛ فإنها لا تتفق مع المفهوم الغربي للشخصية القوية.

رجل دولة استثنائي

ومع ذلك فإن ما ذُكر بشأنه يضفي عليه خصال التحمل البدني النادر في شبه الجزيرة العربية الممتلئة بالصعاب، ويقال إن منافسيه قلائل بين الرجال الذين تربوا على امتطاء ظهور الإبل والذين لا يكلون من امتطائها، وكقائد لقوات غير نظامية أثبت أنه شجاع، وأنه يجمع بين خصائصه كجندي وقبضته على مقاليد الحكم التي يجلها رجال القبائل كثيراً، وربما أقصى إطراء له قولهم بأنه «رجل دولة».

إن ابن سعود كسياسي وحاكم ومغير يمثل شخصيةً تاريخية استثنائية. فهو وأمثاله من هؤلاء الرجال يشكلون استثناء في أي مجتمع، ويدفع بهم جنسهم العربي بإصرار في محيطه. وفي ذلك المحيط يحققون احتياجاته، فلقد قدم العرب القادة الفاتحين والإداريين العسكريين للغزوات المحمدية (الإسلامية) والذين نجحوا في مهامهم مثل ابن سعود، ولو أنه عاش في عصر أكثر بدائية فربما كان النجاح أو الفشل حليفه، «وربما قد يفشل في نطاق ضيق». إن مهمته في تحويل مجتمع قبلي أساسا إلى دولة موحدة ومتجانسة ذات طبيعة قوية ليست باليسيرة، ولقد كان محمد الرشيد المثال الكلاسيكي في الجيل السابق لجيلنا، وقد توفي قبل عشرين عاماً ولكن شهرته لاتزال باقية، ومثله قام عبدالعزيز بجمع خيوط الشبكة المتفككة للتنظيم القبلي فى إدارة مركزية وفرض سلطته على تحالفات القبائل الجوالة، وعلى الرغم من تقلبها، فإنها من العوامل السياسية التي وطدت حكمه.

مؤتمر الاعتراف على أرض الكويت

وبسط ابن سعود نفوذه على الرياض ببساتين نخيلها وواحاتها، واتسعت سلطته لتشمل إقليم القصيم شمالا وإقليم الاحساء شرقا. وتمكن من الحصول على موارد اقتصادية أوسع وثروة أكبر وسكان مستقرين أكثر مما لدى ابن رشيد؛ ولذلك فإن سلطة ابن سعود ترتكز على أساس أكثر متانة، إلا أن مصدر القوة الحقيقي هنا كما عبر التاريخ العربي بأكمله يكمن في شخصية القائد، فمن خلال شخصيته سواء كان خليفة عباسيا أو أميرا نجديا يتماسك الكيان السياسي بوجوده وينفرط عقده في حال غيابه.

إذا كانت السمة البارزة لمؤتمر الكويت هي اعتراف الرؤساء العرب المجتمعين بحسن نوايا بريطانيا العظمى تجاه العرب، فإن وجود النوعية غير المتغيرة للسيادة الصحراوية بين ظروف حديثة جداً لدرجة أنها لم تصبح مألوفة لمن أوجدها، وذلك ما أعطى زيارة ابن سعود إلى البصرة طابعها المتميز.

أشعة «رونتجن» والصديق الطيب

وفي غضون بضع ساعات استعرض (ابن سعود) أحدث آلات للهجوم أمامه، وراقب إطلاق متفجرات شديدة القوة على خندق مرتجل، وانفجار القذائف المضادة للطائرات في السماء الصافية التي فوقه.

وسافر بالسكة الحديد التي لم يكن عمرها يزيد على ستة أشهر، ثم انطلق عبر الصحراء في سيارة إلى ميدان المعركة في الشعيبة إذ شاهد قوات المشاة البريطانية وقوات الفرسان الهندية، وبطارية مدفعية أثناء عملها.

وفي أحد مستشفيات القاعدة المتمركزة في قصر صديقنا الطيب (الشيخ خزعل) شيخ المحمرة، رأى عظام أصابع يده تحت أشعة «رونتجن»، ومشى على امتداد أرصفة الميناء الكبيرة الكائنة في شط العرب وعبر المخازن المكدسة التي يتم من خلالها كسوة الجيش وتزويده بالتموين، وشاهد طائرة تنطلق إلى السماء الصافية.

شيخ المحمرة

ولقد نظر (ابن سعود) إلى هذه الأشياء كلها وهو مندهش، ولكن الاهتمام الذي أظهره بشأن العتاد الحربي كان اهتمام رجل يسعى إلى التعلم، وليس اهتمام شخص وقف مرتبكاً، وتحدث بشكل تلقائي للضباط الذين استضافوه مبرراً شهرته التي اكتسبها في شبه الجزيرة العربية بأنها ترجع إلى الحس السليم والقدرة المتميزة على الاحتمال والصبر.

وبينما كان الشيخان يغادران المكان قال شيخ المحمرة: «لقد كان أمرا طيباً لنا أن نرى مدى قوتكم»، ومن استمعوا إليهما ربما وجدوا أفكارهما توحي بقوة أعظم وأكثر استقرارا من قوة آلة الحرب وتطلعا إلى اليوم الذي نقوم فيه ببسط علوم السلام بدلاً من علوم الدمار.

(يتبع)