أسمهان

نشر في 13-10-2008
آخر تحديث 13-10-2008 | 00:00
No Image Caption
 فوزية شويش السالم هل هو السحر الكامن في الخلود؟ أم هو سحر الأسطورة؟ أم هو الموت الذي يضفي على الحكايات سر غموضها وسحرها الفاتن؟

أسئلة كثيرة هاجمتني بعد مشاهدة مسلسل «أسمهان» الذي عرض في شهر رمضان، وكان من أروع الأعمال الدرامية التي عرضت في السباق الهائل للمسلسلات المنتجة من سورية ومصر ودول الخليج. المسلسل تناول حياة المطربة «أسمهان» التي عاشت حياة حافلة بالأحداث ضغطت في عمر قصير، حياة غريبة، متشعبة، عاصفة ومتنوعة بكل ما هو مثير وغير عادي.

امرأة عجيبة ملكت قدرة روح خارقة للعادة، تمضي مثل سهم إلى هدف مرسوم ومقرر قبل وجودها ذاته بانحدار صخر مسرع إلى هاويته، ليس أمامه إلا الاندفاع. امرأة ملكت كل شيء... صوت ليس له مثيل، موهبة فذة لن يجود بها الزمان مرة أخرى. وللأسف لم تكرس حياتها لهذه الموهبة، ومنحتها الدنيا زوجا أميرا عشقها وبذل كل ما في أمكانه ليسعدها، وفي المقابل لم تمنحه ما يستحقه، وأمومتها لم تمنعها من الاندفاع في حياة خاصة ليس فيها للأمومة مكان، وأموال هدرت بإسراف وبلا هدف. ما الذي كانت تريده بالضبط من هذه الدنيا التي أعطتها كل شيء بإغداق رهيب، كأنها تعوضها عن عمر قصير؟ عاشت الحياة بكل أطيافها، وجربت كل ما فيها، لم تترك تجربة من دون أن تخضها، بما فيها أعمال الجاسوسية. جربت حياة الفقر وحياة الترف، والشهرة والمجد، والنجومية، والحب والعشاق والقمة والسفح.

في حياة مرقت مثل شهاب وامض، كان الاحتراق أسرع من اللازم، والبريق بحجم الحريق الذي خلف لنا الأسطورة أسمهان. لأن الأساطير هي التي تكون خارقة للعادة، لذا جاءت «أسمهان» امرأة غير عن العادة... امرأة مضروبة بمئة امرأة، إنها امرأة التناقضات كلها مجتمعة معا.. إنها الشفافية والغموض، العنف والرقة، الكبرياء والبساطة، الكذب والصدق، والتسلط والتواضع. لا يكفي مسلسل واحد لإلقاء الضوء على حياتها العنيفة المتشعبة، وعلى زمنها «المتمفصل» بالأحداث المهمة والخطيرة، ودورها ضمنه، وأهمية الأشخاص الذين عرفتهم وعاشت معهم. كان من الضروري أن يستعان بمحلل نفسي حتى يستطيع المؤلف أن يتعمق أكثر في فهم أبعاد الشخصية وسلوكها، ويدرك أسباب تصرفاتها واندفاعاتها النفسية غير العادية.

ليس من السهل على كاتب سيرة حياة مثل حياة «أسمهان» أن يكتبها من خارجها، أي من إطارها العام، كان يجب أن يتغلغل فيها أكثر من ذلك الحد، لأنها حياة حقيقية ومهمة لا يمكن أن يعبرها من خارجها فقط من دون أن يتوغل بالتفاصيل والدوافع النفسية لأسمهان، لا يكفي القول بأنها عملت كذا.. وكذا، ولكن كان من الأهم أن نعرف لماذا فعلت كذا... وكذا، وهذا ما لم يخبرنا به الكاتب، وهو الأساس المهم لفهم دواعي الشخصية وأسباب تصرفاتها النفسية حتى تتضح وتتبلور بمصداقية وأمانة ومطابقة للواقع، لأنها أولا شخصية واقعية وليست من رسم الخيال، وهي ما زالت حية ومطبوعة في ذاكرة الناس بأغانيها وصوتها الرائع. وثانيا حتى لا تظلم أسمهان بالأحكام الانطباعية غير العادلة، لأن المسلسل لم يمنحنا التحليل الواعي للشخصية بحيث انه انتهى ونحن في حيرة وتساؤل أكبر حول من تكون أسمهان؟ وما هي حقيقتها، وأسباب تناقضات تصرفاتها وحياتها غير المفهومة والمثيرة للجدل، لا يكفي أن يدرك الإنسان قصر أجله، وأن عمره قصير حتى يندفع ويتصرف بكل هذه الغرابة لمجرد قراءة كف أو كشف طالع عند عراف يتأرجح قوله بين احتمال الصدق واحتمال الكذب.

back to top