ثمة تحركات إقليمية متنامية على أكثر من صعيد بدأت تظهر آفاقها على أكثر من صعيد لتوحي بوجود شعور مبكر لدى كثير من القوى الحية في المنطقة العربية والإسلامية بأنه لابد من تقوية التعاون والتكامل العربي الإسلامي ليس بوصفه ركيزة أساسية ضرورية لمواجهة التحديات المتعاظمة في مجال العلاقات الدولية ومجابهة حالة طوارئ أوجدتها الأزمة المالية العالمية فحسب، بل للتأسيس لأي مشروع تنمية حقيقي لهذه المنطقة، أيضا.

Ad

التعاون التركي الإيراني السوري في مواجهة الإرهاب الذي يتهدد البلدان الثلاثة انطلاقا من كردستان العراق الذي تحول إلى بؤرة له لاتزال تجد الرعاية له من قبل قوات الاحتلال وبطانتها المحلية الحاضنة لها هناك للأسف الشديد، هو واحد من معالم هذا التعاون التكاملي!

ثمة تعاون آخر بدأ يتبلور، وإن ببطء، وعلى الرغم من مواجهته بعض التحفظات والاعتراضات المحلية اللبنانية أحيانا، لكنه سيمضي على ما يبدو رغم العقبات التي يحاول أن يضعها في طريقه بعضهم، ألا وهو التعاون السوري اللبناني في مواجهة تحديات الإرهاب أو العنف الأعمى الذي يحاول الضرب عميقا في أمن واستقرار البلدين الجارين، وهو التعاون الذي يرعاه الرئيسان بشار الأسد وميشال سليمان، والذي يحظى بدعم تركي فرنسي من جهة... وآخر قطري، وهي الدولة الراعية لاتفاق الدوحة الشهير للمصالحة اللبنانية- اللبنانية، وذلك حماية ليس لكل من الأمن السوري القومي ونظيره اللبناني من أي أذى فحسب، بل أيضا بعد أن أخذ يهدد جدار الأمن في أوروبا التي بدأت تتخوف من امتداد هذا التهديد إليها عبر هذه البوابة الإقليمية الخطيرة فيما لو تركت تشتعل وتتفاعل من دون تدخل وتعاون دولي ضروري مع الجهد الإقليمي!

الشيء نفسه بدأ ينطبق على الجهد السوري الإيراني المشترك لتطويق حركة «الإرهاب القاعدي» المتنقل داخل العراق والذي بدأ ليس فقط في التشويش بقوة على المقاومة العراقية الشريفة ومحاولة حرف مسيرتها بحجة أو ذريعة معارضة العملية السياسية العراقية، بل ولمنع قيام أي جهد إقليمي مشترك يطفيء شعلة التحفز والتوتر والتشنج المذهبي والطائفي التي ظلت تتناوب على إشعالها الاتجاهات التكفيرية من جهة وأجهزة الاستخبارات الدولية اللاعبة والمتحكمة إلى حد ما بالمسار العراقي في ظل الاحتلال البغيض!

ما سميناه يوما بـ«ائتلاف الطامحين»، الذي تبلور بالقمة الرباعية التي جمعت قادة سورية وتركيا وقطر وفرنسا في دمشق قبل بضعة أسابيع، كان، برأينا، بمنزلة الإنذار المبكر لما يمكن أن تواجهه المنطقة من تحديات من جهة، وما ينبغي لحكامها أن يستعدوا له من جهة أخرى، في ظل الأجواء والفضاءات التي تتزاحم في الظهور في سماوات المنطقة في خضم التحولات الدولية الأساسية التي تنتظر المعادلة الدولية في عهد ما بعد بوش، كما يسميه بعضهم منذ الآن على ذلك العصر الجديد الآخذ في التبلور شيئا فشيئا مع اقتراب ساعة خروج الرئيس الأميركي جورج بوش الابن من المشهد الدولي بصورة نهائية!

اليوم وبعد دق جرس الإنذار الأمني بقوة مع انفجار الأزمة المالية العالمية في وجه الجميع، يصبح التعاون والتنسيق الإقليميين بين العالم العربي كله والعالم الإسلامي المحيط بأكمله، أمرا واجبا وضرورة ملحة لمواجهة المستجدات والتداعيات الخطيرة التي تنتظرنا جميعا مع تفاقم هذه الأزمة وتخبط النظام الرأسمالي العالمي في محاولاته لإيجاد المخارج المناسبة لها!

حسنا فعل كل من بدأ في مواجهة التحديات التي كشرت عن أنيابها مبكرا. ومن جملة الأعمال الحسنة التي انطلقت في هذه الفضاءات اتفاق أو مذكرة التفاهم التي وقعت بين مجلس التعاون الخليجي وتركيا والتي وقعها وزراء خارجية الدول الخليجية الست ووزير خارجية تركيا في جدة قبل أسابيع!

ما يتردد في آفاق هذا التعاون الإقليمي من زاوية الأمن القومي العربي، هو ما سمعناه من وزير خليجي رفيع المستوى لمقولة ما سماه بحاجة العرب الماسة إلى «حزام أمان إسلامي»، وقد يكون بدأ بتركيا، لكنه لا يكتمل إلا بضم إيران وباكستان إليه، وهي مقولة نعرف تماما أنها تلقى استحسانا في البلدين المذكورين وفي أوساط الرأي العام العربي عموما!

وفي هذه الأثناء، شهد لبنان خلال الأيام القليلة الماضية تحركا إيرانيا، وإن كان من طرف القطاع الخاص إلا أنه يحمل آفاقا واسعة وعميقة من خلال إعلانه ضرورة قيام منتدى دائم للتعاون والتكامل الإيراني العربي قد يبدأ على مستوى رجال الأعمال، وهو ما ظهر في جولة لوفد إيراني على القيادات اللبنانية جميعا ومن دون استثناء، داعين إياهم لاحتضان بيروت لمثل هذا المنتدى والنشاط باعتبارها عاصمة ومختبرا حيا ومعاشا للثقافات والحضارات كلها، كما قال الرئيس اللبناني أثناء استقباله للوفد الإيراني، وهو الأمر الذي لقي ترحيبا مضاعفا من قبل الأطراف اللبنانية كافة بتوجهاتها وانتماءاتها الحزبية كلها، ما يعطي الانطباع بالحاجة الماسة التي بدأ يشعر بها الجميع إلى مثل هكذا جهد إقليمي عنوانه التعاضد والتكامل الإقليميين في وجه التحديات الدولية المتعاظمة بوجه الأمن الاقليمي للبلدان النامية وفي مقدمتها بلادنا العربية والإسلامية!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي- الإيراني