خطر... خطر... خطر!
فلينظر كلٌ منا إلى مقر عمله، في أي قطاع وفي أي مجال كان، وليتفحص الاستعدادات الفعلية لهذا القطاع لمواجهة حالات الطوارئ، كالحروب أو الانفجارات أو الحرائق أو انقطاع الكهرباء أو تعطل بنوك المعلومات الإلكترونية أو غيرها، وليتذكر متى كانت آخر مرة قام هو وزملاؤه بالتدرّب على التعامل مع مثل هذه السيناريوهات المحتملة!
مع كل تزايد لتوتر في منطقتنا، وأقول تزايد لتوتر لأن التوترات من حولنا لا تتوقف، ولكن تعلو وتنخفض كموج البحر، يعود الحديث عن استعدادات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها لمواجهة الطوارئ وحالات الخطر، وتخرج علينا التصريحات من الجهات المختلفة للحديث عن كيف أنهم عاكفون على تجهيز خطط الطوارئ والاستعداد للأزمات!هذه التصريحات، كانت تأتي -ومازالت- دائما بأسلوب الكلام العام المرسل على عواهنه، الدولة وأجهزتها تجهز خطط الطوارئ وتستعد، فاطمئنوا.لكن المتخصصين في إدارة الأزمات والطوارئ، يدركون تماما أن مفهوم الاستعداد للحوادث والكوارث يقوم على فلسفة أساسية تشكل العمود الفقري للأمر برمته، وهي ضرورة وجود خطة عامة دائمة جاهزة يجري تحديث تفاصيلها بشكل مستمر، سواء عندما تطرأ الأزمات وتنذر باقتراب الكوارث، أو في حالات الرخاء والطمأنينة. من يتابع تصريحات المسؤولين سيكتشف من الجملة الأولى، أن هذه الفلسفة الأساسية غائبة عن حكومتنا وأجهزتها! ماذا يعني أن تبدأ القطاعات المختلفة للدولة الآن، والآن فقط، بتجهيز خطط الطوارئ استعداداً للأزمة وتبدأ برصد الاحتياجات وتجهيزها؟يعني الأمر وبكل بساطة يا سادتي، بأن جماعتنا لا يوجد لديهم شيء على الإطلاق، لا يوجد لديهم إدراك مسبق لأنواع الكوارث المحتملة، ولا يوجد لديهم إدراك لحجم الموارد التي يحتاجون إليها لمواجهتها، ولا يوجد لديهم ميزانيات مرصودة مسبقا لهذه البنود، ولا يوجد لديهم تنسيق بين قطاعات الدولة المختلفة، التي يجب أن ترتبط بعضها مع بعض في الأزمات المختلفة، ولا يوجد لديهم تدريب لكوادرهم البشرية على تنفيذ هذه الخطط وتطبيقها على أرض الواقع، إن وقعت الأزمة أو الكارثة، لا سمح الله، وكل ما لديهم هو حبر على ورق، بلا قيمة حقيقية!هذه اللخبطة المرتبطة باستعدادات الطوارئ والتي تتكرر دائما مع مرور أي شبح أزمة، تكشف بأن الدولة ليس لديها في حقيقة الأمر خطة يمكن الاعتماد عليها عند الحاجة. ويدرك العارفون أن الهياج الذي يحصل عند اقتراب الأزمات وارتفاع الصيحات بضرورة تجهيز الخطط والاستعداد للطوارئ، يؤديان غالبا إلى إنتاج خطط عشوائية غير موثوقة، لا يمكن بطبيعة الحال تجربتها والتأكد من صلاحيتها لضيق الوقت، ويؤديان كذلك إلى هدر مالي كبير لشراء معدات وتجهيز أمور، يكون أغلبها بلا فائدة حقيقية ولا حاجة فعلية، وناتجا عن تفتقات أذهان غير المتخصصين بعلم إدارة الكوارث والأزمات، خصوصا من القياديين الذين يديرون أمور أجهزتهم بالأسلوب المركزي وبطريقة التدخل في كل شيء، وسيؤدي هذا -كالمعتاد- إلى تنفيع تجّار الأزمات والحروب.من لم يقتنع بكلامي منكم لينظر إلى مقر عمله، في أي قطاع وفي أي مجال كان، وليتفحص الاستعدادات الفعلية لهذا القطاع لمواجهة حالات الطوارئ، كالحروب أو الانفجارات أو الحرائق أو انقطاع الكهرباء أو تعطل بنوك المعلومات الإلكترونية أو غيرها، وليتذكر متى كانت آخر مرة قام هو وزملاؤه بالتدرّب على التعامل مع مثل هذه السيناريوهات المحتملة.أنا واثق بأن أكثر من تسعين في المئة منكم لن يخرجوا بشيء، وسيكتشفون بأنه لو ضربتهم الأزمة فسيكونون في «حيص بيص»!