هنالك أعراف كويتية لابد من كسرها حتى يمكننا أن نصل إلى نهاية لهذا الدوران المستمر دون وجهة مفهومة، وهي أعراف وممارسات بعيدة كل البعد عن المفهوم المدني للحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية، وهي دليل حي على قصر عمر الدولة وضعف مؤسساتها.
في مقال سابق بعنوان «حتى نخرج من الدوامة» اقترحت تغيير الخطاب السياسي بناء على التغير في التركيبة السكانية الكويتية والظروف الذاتية والموضوعية، واحترام وفرض القوانين وتقنين العمل الحزبي السياسي وتعزيز مفهوم المواطنة في التعليم والإعلام للخروج من الأزمة العامة التي تشل البلد وكسر دوامة لعب دور الضحية ولوم الآخر، وهي مقترحات على المستوى المؤسسي، لابد من وجود انعكاس لها في عقلية وتصرفات الفرد سواء كان في مستوى اتخاذ القرار أو تنفيذه.على المستوى الفردي هنالك أعراف كويتية لابد من كسرها حتى يمكننا أن نصل إلى نهاية لهذا الدوران المستمر دون وجهة مفهومة، وهي أعراف وممارسات بعيدة كل البعد عن المفهوم المدني للحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية، وهي دليل حي على قصر عمر الدولة وضعف مؤسساتها بشكل عام ومؤسساتها التعليمية والثقافية بشكل خاص.من المفاهيم التي تشكل عصب التفاعل بين فئات المجتمع المختلفة وبين هذه الفئات والدولة أن تطبيق القانون عملية انتقائية وغير ملزمة، خصوصا إذا فشلت الحكومة في تطبيق القانون في بعض الحالات أو تناقض القانون مع المبادئ والأخلاقيات الخاصة. فعلي سبيل المثال نرى من هم في السلطة التشريعية في البلد يتحدون القانون ويشجعون الآخرين على كسره بحجة أن القانون غير مطبق على الكل.ونرى من يكرر انتهاك القانون بحجة أن هنالك من قام قبله بذلك ولم يحاسب، كما نرى من ينتهك القانون بحجة تناقضه مع مفهومه للدين أو للأخلاق، وينطبق ذلك على الكثير من الممارسات والمواقف اليومية من الركون في مناطق «ممنوع الوقوف» إلى الفرعيات، مرورا بإزالة الاعتداءات على أملاك الدولة، إلى هدم المساجد.وخطورة هذا العرف اللامنطقي أنه يسد الطريق على أي محاولات للتطوير أو الإصلاح أو حتى التواصل لأنه يفتح الباب على مصراعيه لتعزيز شريعة الغاب وأخذ الحق بقوة الذراع (أو الحنجرة أحيانا). المسلك الراقي والمدني لحالات الظلم أو الفساد السياسي أو القضائي هو عبر القنوات الشرعية والأدوات الرقابية المتاحة أو حتى المبتكرة في إطار الدستور والتعامل المدني الإنساني.الحل المنطقي لتناقض القانون مع المبادئ والمقاييس الشخصية هو إعادة النظر في كليهما وحصر الشخصي في الإطار الخاص، واحترام قانون الدولة والتقيد به في الإطار العام، فاستيعاب هذا الفرق هو الخطوة الرئيسة والحرجة للعقد الاجتماعي المدني.العرف الاجتماعي الغريب الآخر هو استباحة الدخول في النوايا واتخاذ القرار على أساس التنبؤ بما يمكن أو يفكر به الآخر و«القراءة بين السطور»، فأصبح مألوفا أن نسمع استنتاجات واتهامات بالطائفية أو العنصرية أو القبلية أو الفساد أو التحيز دون أن يرافق هذه الاتهامات أي أدلة عينية أو حتى ظرفية، والاتهامات في أغلب الأحيان إسقاطات أو تمويه أو تبرير لنوايا ودوافع مطلق الاتهامات.وهذا جانب واحد من خطورة هذا المنحى، والأهم أن ذلك أيضا كما في التعامل الانتقائي مع القانون يلغي أي فرصة للتواصل والتفاهم مع الآخر وبالتالي يقوض أساسات التعامل الحضاري والمدني في إطار الدولة.لنخرج من الدوامة فلا بد أن نجدد لأنفسنا خيار العيش في دولة مدنية، وأن نعي ما يعني ذلك من حيث الحقوق والواجبات، ولنصل إلى نتيجة إيجابية يجب أن نعترف ونحترم الآخر ونؤمن أنه دون قانون لا يمكن أن نتعايش ومن دون معلومة لا يمكن أن نتفق على حل.
مقالات
كيف نعيش في دولة مدنية؟
18-04-2009