سياسة الفأس بالرأس!
تقدمت شخصياً بقانون متكامل للعمل في القطاع الخاص مع المرحوم النائب السابق سامي المنيس في مجلس 1996، وأعيد تقديمه تباعاً، ولكن التجاهل الحكومي كان دائماً يعوق إقراره، والسؤال هنا مرة أخرى هل يعقل أن حكومة بمختلف مؤسساتها ووزاراتها والإدارات القانونية، تغفل مثل هذا الفراغ التشريعي في بلد يسيطر القطاع الخاص (بأجانبه طبعاً) على 75% من قوة العمل؟
ما نراه اليوم من كثرة التصريحات الإعلامية لعدد من مسؤولي الدولة بمستوياتهم المختلفة بشأن التصدي لقضية الاحتجاجات العمالية يثير الشفقة ويكشف المستور عن حالة التردي في صناعة القرار، وإذا كانت الحكومة بأجهزتها المختلفة قد استنفرت اليوم بحثاً عن مخارج أمنية وسياسية وقانونية وإنسانية لأزمة العمال البنغال، فالسؤال الصعب هو ماذا أعددتم بشأن التنمية ومستقبل الكويت وشعبها؟ ولماذا تنتظر الحكومة دائماً حتى يقع الفأس بالرأس؟!وحاشا أن نسرد مثل عبارات النقد والعتب هذه لمجرد التشفي أو التصيد للأخطاء أو رضا بالسمعة السيئة التي لحقت بالكويت عالمياً، بعدما كانت كلمة الكويت تعني على مدى سنوات طويلة النهضة والعمران والتطور والديمقراطية والاستقرار، ولكنها فرصة جديدة لتشخيص الصورة العامة لأوضاع البلد ومراكز الخلل الرئيسية فيها، والتي تكون ثمرتها بالتأكيد الأزمات المزعجة على غرار ثورة البنغال!وأول مراكز هذا الخلل غياب قاعدة المبادرة في اتخاذ القرار، أو ما تحول بالواقع الفعلي إلى «ديرة تمشي على البركة»، فهل يعقل أن جهازا ضخما يضم وزراء ووكلاء ومستشارين كان غافلاً على مدى عشرين سنة عن تنامي ظاهرة العمالة المستوردة والزيادة المفرطة في الشركات التي استولت على العقود الحكومية تحت عنوان الخصخصة، والإصرار على إهمال حقوق العمال ممَن لا تتجاوز رواتبهم الشهرية 25 دينارا لا يستلمونها لشهور عدة؟ ومن الطبيعي أن تكون أجهزة الدولة على دراية دقيقة لهذه المشكلة منذ بدايتها، ولكن المؤكد أن شبكة المصالح التي تربط أصحاب النفوذ بأصحاب القرار هي السبب الأول لهذا التجاهل المستمر، وهكذا تصرف ينُم على عدم إيمان حقيقي بدولة القانون والمؤسسات، فما بالك بوجود قناعة حقيقية لمبادرات ليس لحل المشاكل وإنما لضمان عدم وقوعها أصلاً! والبعد الآخر يتمثل في الترهل التشريعي الذي بلغ في بعض جوانبه إلى مأساة حقيقية، فقانون العمل في القطاع الأهلي المعمول به حالياً يعود إلى منتصف الخمسينيات ويتعامل مع أجور العمال بالروبية، وهي عملة ما قبل الاستقلال!وحتى لا يتهم المجلس كالعادة بأنه سبب عدم إقرار قانون جديد للعمل في القطاع الخاص، أقول إنني شخصياً تقدمت بقانون متكامل في هذا الشأن مع المرحوم النائب السابق سامي المنيس في مجلس 1996، وأعيد تقديمه تباعاً، ولكن التجاهل الحكومي كان دائماً يعوق إقراره، والسؤال هنا مرة أخرى هل يعقل أن حكومة بمختلف مؤسساتها ووزاراتها والإدارات القانونية فيها مع وجود جهاز قانوني كبير تابع لها يتمثل في الفتوى والتشريع، تغفل مثل هذا الفراغ التشريعي في بلد يسيطر القطاع الخاص (بأجانبه طبعاً) على 75% من قوة العمل؟المشكلة أن بعضاً ممن يروِّج لفكرة أننا نملك أفضل تشريعات ولكن ينقصها التنفيذ وبالتالي لا نحتاج إلى قوانين جديدة، قد نجح في إيهام الرأي العام بهذه الخديعة لغرض في نفس يعقوب- ولعله ضرب مجلس الأمة وتحجيم دوره التشريعي. فالفراغ التشريعي يشكل أزمة إدارة في الدولة، فالحكومة بأجهزتها كلها التي أسلفناها لم تبادر منذ سنوات طويلة في تجسيد مبدأ الشراكة السياسية مع مجلس الأمة في البعد التشريعي، وعادة ما تكتفي بتقديم قوانين الميزانية والحساب الختامي!والبعد الأخير في مشاكلنا المتفاقمة يكمن في ضيق صدر الحكومة والموالين لها، بالحق والباطل، من النقد واعتبار أي انتقادات هي مشاريع تأزيم وتصعيد سياسي، وفي الوقت نفسه المكابرة والحسد في حالة وجود مبادرات لحل أي مشكلة إذا لم تأتِ من «الحبايب»! فعقلية الشك والريبة، التي استقرت في العقل الباطن عند الحكومة، والتحسس من أي حلول يقدمها المجلس أو القوى السياسية، كانت ولاتزال «عقدة نفسية» تعانيها الحكومة التي أصبحت كما يقول المثل: «لا ترحم ولا تخلّي رحمة الله تنزل»!