لماذا على مسافة واحدة؟
غير جائز أن يقول العرب، كما جرى من خلال وزراء خارجياتهم الذين حضروا اجتماع القاهرة الأخير، إنهم يقفون على مسافات متساوية من التنظيمات الفلسطينية المختلفة، والمقصود بهذا هو حركة «فتح» التي هي عملياً منظمة التحرير، التي كرستها قمة الرباط العربية في عام 1974 ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني وحركة «حماس» التي بقيت تفاوض ياسر عرفات، وبعد ذلك محمود عباس (أبو مازن) نحو ربع قرنٍ من الأعوام، لكنها بقيت تصر على عدم الانضمام الى هذه المنظمة أسوة بالفصائل الأخرى، وبقيت تعمل على تدميرها والتخلص منها. كيف من الممكن ان تكون مسافة الموقف العربي متساوية من تنظيمين فلسطينيين، أحدهما يشكل جبهة تحالف لمعظم التيارات والفصائل والتوجهات الفلسطينية ويعترف به العرب على أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ويتعامل معه العالم على هذا الأساس، بينما الآخر تنظيم حزبيٌّ شمولي وإلغائي يرفض التعددية، ويسعى لإلغاء الآخرين كلهم، ولجأ الى السلاح لإزاحة منافسيه من أمامه والانفراد بالسلطة... وهذا هو الذي حدث في غزة في منتصف يونيو عام 2006.
كل العالم، حتى بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، يعترف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وكل العالم يعتبر ان هذه المنظمة بمواقفها وتوجهاتها وبقرارات مجالسها الوطنية هي الشريك الذي لا شريك غيره في عملية السلام... ومعظم العالم يعتبر حركة «حماس» حركة عنف وتطرف، ويأخذ عليها أنها لا تتحلى بأي قدر من الواقعية، وأنها تتمسك بمفاهيم سنوات الحرب الباردة، ولا يمكن قبولها على مائدة المفاوضات مادامت مواقفها هي هذه المواقف!!. كان العــرب كلهم... وبلا استثناء ولا دولة واحـدة، قد اختاروا خيار السلام في قمة «فاس» الأولى وفي قمة «فاس» الثانية، وهم كلهم قد طوروا هذا الخيار ليصبح مبادرة السلام التي بدأت كوجهة نظرٍ لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان وليـّاً للعهد، لكنها أصبحت مبادرة عربية عندما تبنتها قمة بيروت، والمعروف ان منظمة التحرير التي تشكل حركة «فتح» عمودها الفقري كانت قد وافقت على هذه المبادرة، وهي لاتزال توافق عليها وتتمسك بها، بينما ترفضها «حماس» رفضاً قاطعاً، وتعتبرها رجساً من عمل الشيطان يجب اجتنابه. إن هذا هو واقع الحال، فكيف إذن يعلن العرب هذا الموقف الذي أعلنوه، والذي قالوا فيه بلسان المجلس الوزاري للجامعة العربية الذي انعقد في القاهرة الأسبوع الماضي إنهم يقفون من منظمة التحرير و«حماس» على مسافة واحدة... كيف يمكن المساواة بين جهة تشكل القاسم المشترك لمعظم الفلسطينيين ومعظم الفصائل الفلسطينية وخطها هو الخط المقر من العرب كلهم وبين «فسطاط الممانعة» المعروف؟! * كاتب وسياسي أردني