حالة اليأس وانعدام اليقين وانقطاع الرجاء من قرار سريع لإنقاذ أحوال البلد تجعل شطحات الفكر تتوالى، لتخفف من ضغط التوتر على المتابع لهذه الأحوال، ولذلك يقوم المخ بتحويل الأحداث إلى «فنتازيا»، لتروّح عنه وتضرب بـ«الشلّوت» كما يقول إخواننا المصريون كل ما يجري من حوله، ويبيعها بـ«بصلة» ليرتاح من قلقه على بلده ومستقبل أبنائه وأحفاده.

Ad

ومن آخر حالات الترويح «الفنتازية» التي انتابتني هي تخيلي لسهرات النواب في الليالي الأخيرة الصعبة، وانتظارهم قرب القرار المصيري، بعد أن تعقّدت الأزمة بل الأزمات المتتالية، وأصبح مجلس 2008 قاب قوسين أو أدنى من الانفراط، فتخيّلتُ بعض النواب وهم يناجون نجوم الليل، وسمّاعة الـ«أيبود» على آذانهم تُسري عنهم بأغنية «كل حسب ما يشقي قلبه في ليله»... وتخيلتهم وما أتوقع أن يدندنوا به من ألحان في ليلهم الطويل على النحو التالي:

«دقت الساعة... يوم الله راد بَيّن حقايقها»... هذا نائب مرعوب من الحل، ولديه قناعة بأن حقيقته انكشفت لدى الناخبين، وأن ساعة الحل والانتخابات ستجعله مكشوفاً وبلا مزيد من الأكاذيب ليقنع بها الناس ليعود إلى موقعه البرلماني.

«مشتريه... بماي عيني ومدلله»... وذاك نائب «بونوط» يناجي كرسيه الأخضر الذي سيفقده رغم كل ما بذله من أموال وخدمات للناخبين، ويحسب تكاليف حملته الجديدة.

«قول إن كان بقلبك حكي... خلني أحدد موقفي»... وهناك السهران من النواب الذي يقلب أفكاره بما سيقوله للجماهير، بعد أن ذهبت وعوده لهم أدراج الرياح، ويرتجف من أسئلة الناخبين عما سيقوله بعد كل هذه الأحداث ليحددوا موقفهم منه.

«وكل حبيب سمر ويّا حبيبه... وأنا ما لي حبيب أسمر معاه»... وذاك نائب أعياه الاشتياق والوله لربعه وعزوته الذين ابتعد عنهم بعد «نفخة» الموقع النيابي، و«يحاتي» من وحدته في ليالي المقر الانتخابي الطويلة المقبلة.

«اجرح وعذب على ما تشتهي... الصدق يبقى والخديعة تنتهي»... صاحبنا هذا الصحافة «متوليته»، و«المسجات» «مليّشته» ويفكر كم من الإعلانات والندوات سيحتاج في الحملة الانتخابية لتبييض صفحته لدى الناخبين.

«حلفت عمري... ما شوف صورة ملامح فيها من رسمك»... ونائبنا هذا «غاسل إيده» وليس لديه نية لخوض الانتخابات مجدداً، ليقينه بأن «كرته» قد احترق لدى الناخبين، وأقسم ألا يرى بعد ذلك صورة فيها ملامح مبنى مجلس الأمة!

وأثناء ذلك انجلت شطحاتي وأنا أسمع عبدالكريم عبدالقادر يصدح: «وداعيّة... يا آخر ليلة تجمعنا... وداعيّة... أعز الناس يودعنا... ليلة ويا عساك اتعود ليلة»!