لهذا فشل انقلاب نصرالله!!

نشر في 18-05-2008
آخر تحديث 18-05-2008 | 00:00
 صالح القلاب

انتقلت الاشتباكات من بيروت الغربية إلى طرابلس في الشمال وإلى مناطق في عكار، لكنها لم تستطع الانتقال إلى منطقتي الجبل والشوف رغم أن طلائع الغزو قد وصلت إليهما، وجرت اشتباكات سقط فيها عشرات القتلى ومئات الشهداء، ولا إلى المناطق المسيحية، والسبب هو أن الانتماء الطائفي قد تغلب على الانتماء السياسي.

سببان حالا دون نجاح انقلاب «حزب الله»، النجاح الذي يمكّنه من السيطرة على لبنان، كل لبنان، وتنفيذ المخطط المعد والمرسوم سلفاً الذي أراد منه أصحابه إسقاط حكومة فؤاد السنيورة واستبدالها بحكومة من لون «فسطاط الممانعة»، وانتخاب رئيس جمهورية من نمط السابق إميل لحود، وإجراء انتخابات نيابية تتحول فيها الأقلية إلى أكثرية مطلقة، وتتحول الأكثرية الحالية إلى أقلية لا حول لها ولا قوة، ومجرد «ديكورٍ» طائفي باهت لا قيمة له.

السبب الأول هو أن شيخ عقل الدروز استطاع توحيد موقف طائفته، ووضع المعارضة والموالاة أو وليد جنبلاط وطلال أرسلان فوق أرضية واحدة، وهي تحريم الاقتتال الداخلي، وتجنيب الشوف والجبل (المناطق الدرزية) حرباً جديدة تصبح فيها المباني وصدور النساء والرجال والأطفال أهدافاً لمدافع «حزب الله» الثقيلة.

أما السبب الثاني، فهو أن المسيحيين بصورة عامة والموارنة بصورة خاصة قد اتخذوا الموقف نفسه، الذي اتخذه الدروز، واتفقوا على إغلاق مناطقهم في وجه أي تسربات عسكرية يقوم بها «حزب الله» أو الأحزاب «الديكورية» الأخرى التي تتلقى أوامرها من الخارج القريب المعروف، والتي شارك بعضها في غزو بيروت الغربية ووضع «زوبعته» القريبة الشبه من الصليب النازي الهتلري المعقوف على مباني تلفزيون «المستقبل» بعد احتلاله وإحراقه.

كانت الخطة تقضي أن يتم نقل الاشتباك، أو في الحقيقة نقل الغزو المسلح، من بيروت الغربية إلى منطقتي الجبل والشوف (الدرزيتين) وإلى المناطق المسيحية في الشمال وفي شرقي بيروت، وكانت هناك قوات جاهزة جرى استقدامها من مناطق الجنوب ومنطقة بعلبك والبقاع وعبر الحدود الشرقية والشمالية المفتوحة، ليبدأ الاجتياح على الفور، ولتبدأ المعارك بين قوات عسكرية مدربة ومجهزة ومسلحة ومواطنين عاديين قد يكون لدى بعضهم بنادق صيد أو أسلحة فردية خفيفة.

لقد انتقلت الاشتباكات من بيروت الغربية إلى طرابلس في الشمال وإلى مناطق في عكار، لكنها لم تستطع الانتقال إلى منطقتي الجبل والشوف رغم أن طلائع الغزو قد وصلت إليهما، وجرت اشتباكات سقط فيها عشرات القتلى، ولا إلى المناطق المسيحية، والسبب هو أن الانتماء الطائفي قد تغلب على الانتماء السياسي، وأن هناك مــن قال اتركوا المسلمين (شيعة وسنة) يقتلون بعضهم بعضاً... و«بطيخ يكسِّر بعضه».

كانت تعليمات «المخططين» أن يتحـرك سليمان فرنجية (الحفيد) بقوات جيش «المردة» من الشمال، وأن يتحرك الجنرال ميشيل عون بقوات كان قد تم استيرادها له من خارج هذه المناطق، وبإسناد من الحزب السوري القومي، الذي غدت ماركته مسجَّلة للنظام في دمشق بعد رحيل إنعام رعد وعبدالله سعادة، للسيطرة على المناطق المسيحية، لكن هذا لم يحدث لأن حس الطائفة تغلب على الحس السياسي، ولأن حلفاء «حزب الله» وجدوا أنفسهم وسط أجواء معادية لهم ولتوجهاتهم وتحالفهم وارتباطاتهم الخارجية.

وكانت تعليمات «المخططين» أن تتحرك قوات «حزب الله» من مناطق جزين، ومناطق البقاع إلى منطقة الباروك ومناطق الشوف عموماً... ولقد تحركت هذه القوات بالفعل وتمركزت في مواقع استراتيجية محددة، وكانت قد بدأت تشتبك مع محازبي الحزب التقدمي الاشتراكي ومع المواطنين العاديين عندما اتفق «عقلاء» الدروز على تحييد مناطقهم، وجرى تغليب الحرص على الطائفة ومناطقها على الانحيازات السياسية... وهكذا فإن انقلاب «حزب الله» لم يأخذ مدياته المفترضة، وهو لم يحقق كل أهدافه التي حددها المخططون، مع أنه حقق بعض هذه الأهداف، حيث أصبح هناك غالب ومغلوب، وهذا سيتجسد مواقف ثابتة للمعارضة في المفاوضات، وليس الحوار، التي من المقرر أن تكون في «الدوحة» هذه المرة والأسباب هنا متعددة وكثيرة.

* كاتب وسياسي أردني

back to top