الأحزاب السياسية في الميزان!

نشر في 06-05-2008
آخر تحديث 06-05-2008 | 00:00
 حمد نايف العنزي لإشهار الأحزاب في الكويت مؤيدون، ولها بطبيعة الحال معارضون، ولكل منهم حججه وبراهينه المقنعة، ولا نشك لحظة بأن الطرفين ينشدان المصلحة العامة بمطالبهما، لكنه اختلاف الرأي والرؤية الذي لابد منه، وقد يحتارالمرء أيهما على حق فيما يقول، فلو أنك سألت أحد معارضي إشهار الأحزاب في الكويت لقال لك: «لا نريد أحزابا في الكويت، الأحزاب خراب ودمار للعمل السياسي وزيادة للطين بلة، ألا يكفي واقعنا السياسي المشوه الذي نعيشه هذه الأيام بنعراته القبلية والطائفية والمناطقية، مجتمعنا غير مهيأ بعد لتجربة الأحزاب السياسية، دعونا أولاً نثقف المجتمع سياسياً ثم لنتحدث بعد ذلك عن مسألة إشهار الأحزاب، لأن إشهارها في الوضع القائم حاليا سيغرق المجتمع، ويضرب وحدته الوطنية، ويحوله إلى فرق وشيع لا التقاء بينها أبداً، انظروا حولكم إلى التجارب العربية الفاشلة في هذا المجال، واسألوا أنفسكم: ما الذي سيجعلنا برأيكم مختلفين عنهم؟ ألسنا كلنا مجتمعات عربية متقاربة في تراثها الفكري ومنابع ثقافتها؟ ألا نعاني ما يعانونه من أمراض التشدد المذهبي والطبقية المقيتة والاستبداد في الرأي والتسلط على الأقليات؟ هذه الأحزاب التي يدعو إليها بعضهم ستفرق مجتمعنا، وتجره إلى تفرقة طائفية وفكرية وصراعات لها أول وليس لها آخر، ولن يكون لطموح الأحزاب التي تنشدون حدٌّ، فهي تريد الاستحواذ على السلطة والسيطرة على الحكم في نهاية الأمر، وتأكدوا أن المستفيد الأول من إشهار الأحزاب في مجتمع غير ناضج ثقافياً وسياسياً هي الأحزاب الدينية المتشددة، والتي أضمن لكم أنها ستستولي على نصيب الأسد من المقاعد النيابية وستقوم حينها بتغيير مواد الدستور بما يتناسب مع مصالحها الحزبية، والتي قد تصل إلى حد الكفر بالديمقراطية نفسها، كما حدث في بعض التجارب العربية. اركدوا قليلا رعاكم الله، وتعلموا من تجارب الآخرين، وتوقفوا عن مطالباتكم هذه... إلى أين أنتم سائرون يا قوم؟!».

كلام مقنع وحجة قوية، لا تملك إلا أن تقول له: والله معك حق! لكنك إن جلست بعد حين مع مؤيد للأحزاب، وسألته عن رأيه فإنه سيقول لك: «لمَ كل هذا الخوف؟ ومن قال لكم إن الأحزاب غير موجودة أصلا في الكويت، إنها موجودة ولكن بتسميات أخرى، وكل ما تحتاج إليه هو قانون يشهرها، وينظم عملها ويجعلها أكثر شفافية في إعلان تنظيماتها وهياكلها الداخلية وأهدافها السياسية ومصادر تمويلها وبرامجها السياسية التي تطرحها أيام الانتخابات، فتجربتنا الديمقراطية لن تكتمل إلا بمثل هذا القانون الذي ينظم الفوضى السياسية التي نعيشها ويطور ممارستنا الديمقراطية، وهو خطوة إلى الأمام بكل تأكيد ستعزز مفهوم الوطنية من خلال وجود أحزاب تضم كل أطياف المجتمع بدلاً من مجموعات طائفية أو قبلية منغلقة على نفسها، وتستطيع هذه الأحزاب من خلال أغلبيتها البرلمانية أن تطبق برامجها الجادة والتي فيها المصلحة العامة لا مصلحة القبيلة أو الطائفة أو الطبقة، كما أنها ستخرج الأفضل والأكفأ خصوصاً إذا أصبحت الكويت دائرة انتخابية واحدة مما يحسن آلية الاختيار حين تقدم الأحزاب قوائمها، وستقضي على كثير من الفساد السياسي والمحسوبية والواسطة، فإشهار الأحزاب في كل الأحوال أفضل من عدم إشهارها، والعمل علانية خير من العمل في الخفاء، وأكثر وضوحاً وأمانا وشفافية، أليس كذلك؟!».

كلام جميل أيضا، لا تملك حياله إلا أن تقول: والله معك حق!

محتار! تريد رأيي؟!

رأيي أن الاثنين كانا على حق فيما ذكراه لك، وقد سجل كل منهما نقاطاً على الآخر، لكنني أجد نفسي أكثر ميلاً للرأي الثاني المؤيد لوجود الأحزاب، فالأول كان متشائماً جداً ولم ير إلا نصف كوب الماء الفارغ، وركّز كثيراً على فشل التجربة العربية من دون مراعاة الفارق بين طبيعة مجتمعنا المسالم والنابذ للعنف وطبيعة تلك المجتمعات المعتادة على الاغتيالات والانقلابات العسكرية وسجون الاعتقال، فبلدنا له خصوصيته وطبيعته الخاصة ولا نستطيع أن نقارن المجتمع الكويتي بمجتمعات عرف عنها الاستبداد السياسي، ونحن في الكويت لدينا دستور من أفضل الدساتير في تحقيق العدالة والديمقراطية، وليس لتكتلاتنا السياسية- حتى الإسلامية منها- أطماع في الاستيلاء على الحكم، تذكروا مواقف تجمعاتنا السياسية في الغزو لتتأكدوا من ذلك، والأسرة الحاكمة في الكويت لم تصل إلى الحكم على ظهر دبابة بل جاءت باختيار ورضا الشعب، ومنذ أكثر من ثلاثمئة عام ومازالت وستبقى كذلك إلى ما شاء الله، ولا خوف من سيطرة حزب على البرلمان لأن التيارات السياسية في الكويت على اختلافها تيارات معتدلة، كما أن شعبنا لديه الوعي الكافي والمناعة ضد الاستبداد، فلا خشية من هذا الأمر بإذن الله!

يبدو لي أن الأحزاب السياسية قادمة لا محالة، وإشهارها مسألة وقت، فلنستعد لها ولنحسن الاختيار في هذه الانتخابات على أساس الفكر والكفاءة والمقدرة... ولنتفاءل جميعاً!

back to top