حجاب العقل الكويتي... وحكم العشماوي
حالة اليأس التي تعتري الكثير من المثقفين العرب، ومنهم الكويتيون في القدرة على تغيير مجتمعاتنا، وفك حلقة الحصار والتعصب عنها، والتي عبر عنها الأكاديمي المخضرم والكاتب العتيد د. أحمد البغدادي في مقالته الأخيرة، هي حقيقة أصبح يعانيها ليس المثقفون فقط بل كل من لديه فكر منفتح ورؤية عصرية لمجتمعاتنا التي يجرفها كل أنواع التعصب والانغلاق الفكري العقائدي، الذي يجنح إلى أكثر الشعارات والتفسيرات تشدداً للدين الإسلامي.
مجتمعنا الكويتي في الغالب أصبح لديه حجاب فكري يلفه، ووضع لهُ «تابوهات» لا يمكن مناقشتها في الدين وتفسيراته، رغم أن الدين الإسلامي لا يوجد فيه كهنوت، والقرآن الكريم يدعو إلى التفكر في كل شيء بما فيها نصوصه لكل مؤمن به، ولكننا أصبحنا الآن أكثر أصحاب الديانات التي تقدس ما ينقل من العصور السالفة دون أن يسمح لغير جماعات معينة من تفسير وتأويل النصوص دون حوار حولها، وبحث الأدلة وتكييفها مع ما توصلنا وتوصلت إليه البشرية من علوم. حالة التزمت التي وصل إليها مجتمعنا أصبحت ضارة مؤلمة، لأن الحوار حول ما جعلوه مسلّما به يعرّض من يتناوله للتجريح والاتهام في عقيدته، ويصل حتى الإقصاء والنبذ من قطاع واسع من وسطنا الاجتماعي، وحالة التزمّت تلك تجعل أي إشاعة أو دسيسة تحول قضايا معاصرة مهمة إلى جدل متعصب، وهي لعبة تجيدها التيارات الإسلامية السياسية، وتعرف مدى النجاح الذي حققته في «وضع حجاب على عقول أبناء مجتمعها» مما جعل تلك العقول لا تتقبل ما يتجاوز ما وضعته لها من «تابوهات»، ولذلك كانت دسيستها المجتزأة والمفبركة ضد المرشحة د. أسيل العوضي، مطلوبة لمن وظف الدين لأقصى مدى في اللعبة السياسية، وبعد أن عرفت أيضا حظوظ د. أسيل القوية بالفوز بثقة الناخبين، وما سيمثله ذلك من إمكانية دخول المجتمع الكويتي في طور جديد من الحداثة التي جمدت منذ أكثر من ثلاثة عقود، وما يمكن أن يسببه ذلك لمكانتها الحالية. إن أخطر ما يواجه سدنة المجتمعات المتعصبة والمنغلقة هو الفكر والحوار، ومجرد الحديث عن مسلماتها التي طبعتها في رؤوس الناس حتى لو كانت نتيجته لمصلحتهم، لأن مجرد تمحيص أسانيد أوامرهم النافذة يرعبهم، لأنه سيمس الهالة المقدسة التي أحاطوا بها أنفسهم، وسيجعل من يتلقاها يتردد في الانصياع لها، وهو ما لم يتعودوا عليه، حتى لو كان في معرض النقاش الفلسفي والبحث العلمي. فموضوع الحجاب الإسلامي مثلا تم بحثه فقهيا في العديد من المناسبات، وكتاب القاضي الشهير المستشار محمد سعيد العشماوي «حقيقة الحجاب وحجية الحديث» من أهم الكتب التي ناقشته وشمل دراسة فقهية مطولة حول الموضوع، رأى فيها العشماوي أحكاما وواجبات مختلفة للآيات القرآنية المتعلقة بإلزامية الحجاب. وإن من ينظر إلى وضعنا يشعر بالحزن، لاسيما عندما تجد شبابا متعلما ولديه كل وسائل الاتصال بالعالم الخارجي التي لم تتوافر لأسلافه، ولكنه متعصب ومنغلق الفكر بعكس أجداده الذين هرعوا ببناتهم للتعليم وإرسالهم إلى البعثات الخارجية في منتصف القرن الماضي، إنه تزمت مؤذٍ ومدمر عندما يستطيع تسجيل صوتي مدته 40 ثانية أن يحرف الفكر عن مناقشة معضلاتنا ومشكلاتنا المعاصرة ولب حملتنا الانتخابية السياسية الحالية، ليتحول الأغلبية إلى قضاة في محاكم تفتيش تفحص العقيدة الدينية لذلك المرشح أو تلك المرشحة، فإن ما نعيشه حاليا حالة صعبة ومريرة وهي أقرب إلى حالة المجتمعين الألماني والياباني في الخمسين سنة الأولى من القرن العشرين من تعصب وتزمت، التي لم تنتفِ إلا بعد أن حصدا نتائج مدمرة وخسائر فادحة. لذا فإن مثابرة البعض للخروج من هذه الحالة ستواجه بمقاومة شديدة لما تشبعت به عقول الأجيال الحالية من التشدد والتعصب والانغلاق إعلاميا وتربويا، ولما ستطلقه الجماعات الإسلامية السياسية من شرارات تعصب متتالية نسجت خيوط الحجاب الذي عصبت به عقول الناس، ولكن يجب ألا نيأس وأن نظل نفكر ونناقش، ولا نمكنهم من أن يحجبوا حتى عقول أساتذتنا وطلبتنا من المناقشة والحوار والتفكر في قاعات الدرس التي يريدون أن يحولوها إلى فرع من حلقات تلقين «طالبان». كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء