يصعب الاقتناع بالنتائج البعيدة كل البعد عن مقاربة أوباما «غير التمثيلية» تجاه خوض الحملات وكيفية الحكم، لكن برأيي عليه أن يتعلّم التفكير ملياً في اللجوء إلى بعض التمثيل حين تدعو الحاجة، فالسلوك المصطنع جزء من الأسلحة في ترسانة أي قائد، وقد يكون للغضب أو التذمّر المواتي أثر أكبر من مجرد تقديم مفكرات مفصلة عن السياسة.

Ad

يشعر نقّاد أوباما بالانزعاج لكونه عامل قادة دول أميركا اللاتينية كافة كأنداد له، خلال قمة الأميركتين الأخيرة التي عُقدت في ترينيداد وتوباغو، وشكّل تعامل أوباما بحس من الزمالة شذوذاً عن المألوف، وقد طال انتظاره، لم يكن ليتحقق شيء عبر توجيه أوامر إلى الدول المجاورة لنا وتعزيز الصورة القديمة لتعجرف «اليانكي» الذي لا يُحتَمَل.

مع ذلك، في بعض اللحظات خلال القمة، كان الأجدر بأوباما أن يكون أكثر حزماً،

ومن هذه اللحظات لقاؤه بالرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، الذي تشكّل شخصيته العامة نقيضاً لشخصية أوباما. شافيز هو التكلُّف بحذ ذاته دوماً، تمحور معظم مقدّمة خطابه حول القائد الأميركي الجديد، مصافحاً إياه بوجه مبتسم ومقدماً له كتاباً يدين بقوة التاريخ المؤلم والطويل للتدخل الأميركي في أميركا اللاتينية.

من السخافة التفكير في أن شافيز يشكّل خطراً على الولايات المتحد، فما خطابه اللاذع المعادي للولايات المتحدة سوى أداء تمثيلي، إذ حرص بعناية على تفادي حتى أقل اضطراب قد يزعزع العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة وفنزويلا. تملك هذه الأخيرة شركة «سيتغو»، فضلاً عن هواجس أخرى، وهي الدولة التي يُعتمَد عليها في تزويد السوق الأميركية العطشى بالنفط.

تجدر الإشارة إلى أن شافيز حاز صلاحياته التنفيذية الفائقة- من الواضح أنه يرغب في أن يكون رئيساً لمدى الحياة- عبر صناديق الاقتراع، فقد لا يحبه الأميركيون، لكن الفنزويليين، بلى، غالبيتهم على الأقل، إلا أنه يستحيل تجاهل وسائله غير الديمقراطية لإسكات من ينتقده والقضاء على أي معارضة محتملة. على الرغم من أنه يستخدم النفط لتقوية نظام كاسترو في كوبا، فبصعوبة يعتنق شافيز المبادئ الاشتراكية بحذافيرها، فهو من نوع الاستبداديين العسكريين القديمي الطراز في أميركا اللاتينية، وهذا النموذج لم يعد رائجاً في القرن الحادي والعشرين.

قد يبدو شافيز ساحراً، لكن حين صافحه أوباما، بدا من الواضح من خلال وضعيته، وتعبيره ولهجته، بأنه غير مسرور. كان شافيز يقصد عبر تقديم الكتاب كهدية إهانة أوباما، وليس تعليمه، وكنت نصحت أوباما بمعاملته بالمثل.

أمّا اللحظة الأخرى التي برز فيها الأداء المسرحي للرؤساء فكانت عند إلقاء رئيس نيكاراغوا دانييل أورتيغا خطاباً لمدة خمسين دقيقة شجب فيه تاريخ التدخل الأميركي الطويل والبشع في أميركا اللاتينية. حين سُئل لاحقاً عن خطاب أورتيغا، أجاب أوباما باختصار بأنه «دام لخمسين دقيقة».

أصاب أوباما في عدم التعليق على الخطاب، لكن كما هي الحال مع هدية شافيز المثيرة للجدل، كان الهدف من خطاب أروتيغا الإهانة. حين ألقى أوباما خطابه لاحقاً، كان يجب أن يستهل وعده بـ»شراكة عادلة» مع البلدان الأخرى في أميركا اللاتينية برد قوي على أولئك الذين فضّلوا معايشة إهانات الماضي على المضي قدماً.

من المسلّم به أن تاريخ التدخل الأميركي في أميركا اللاتينية بشع، ومن المسلّم به أيضاً أن أوباما أوضح نيته بعدم التخلّي عن القيادة الأميركية، لكن بتوليد مناخ جديد من الاحترام المتبادل. لكن معظم رؤساء الحكومة المجتمعين- بمن في ذلك الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا والمكسيكي فيليبي كالديرون، قائدا أكبر دولتين اقتصاديتين في أميركا اللاتينية- ردّوا على مبادرة أوباما بلباقة وبنظرة موجّهة نحو المستقبل، إلا أن شافيز وأورتيغا، وقلّة غيرهم أظهروا فظاظتهم، وكان يمكن أن يردّ الرئيس بغضب.

برأيي، يجب ألا يتصرّف الرئيس على سجيته، فهو يرفض استخدام إحدى الوسائل المُتاحة بين يديه، فحينما تعاظم الغضب الشعبي إزاء عمليات إنقاذ البنوك الأميركية، كان بمقدور الرئيس مواجهة الأمر بفورة غضب مواتية.

أصاب أوباما في إظهار الاحترام لقادة الدول المجاروة الكبرى والصغرى في قمّة الأميركتين، واستحق هؤلاء الذين لم يكونوا لطفاء كفايةً لإظهار الاحترام له أن يدير لهم ظهره، بشكل مجازي بالطبع وانطلاقاً من روح التعاون بين الأميركتين.

* يوجين روبنسون | Eugene Robinson