السؤال المتكرر والمُلِح والدائم في حضوره المستفز، هو السؤال عن الكتابة النسوية.

Ad

في كل مقابلة أو ندوة أو نقاش يُداهمنا هذا السؤال: هل أنتِ مع هذه الكتابة أو ضدها... متفقة مع المقولة أو ضدها؟ لا أدري لماذا أصبح هذا السؤال موضة العصر... حتى حاصرنا فاختنقنا من التكرار والملل.

أما لماذا انبثق هذا السؤال الآن؟

ربما لزيادة الكتابة النسوية؟ والنمو السريع في أشكال الكتابة منها... وكثرة الروايات والقصص.

والغريب أن الكثير من الكاتبات يرفضن مفهوم الكتابة النسوية؟ على أنها انتماء لجنس كتابة أقل قيمة، وان تصنيفها في هذه الخانة المقصود منه هو الإقلال من شأنها، وأنها لا تتساوى مع كتابة الرجل... ويدافعن عنها دفاعاً مستميتاً، ويرين أن الكتابة واحدة الأصل تنتمي إلى إنسانيتها، وليس إلى خانة المذكّر والمؤنّث فيها.

وهذا صحيح، فالكتابة تنتمي أولاً إلى إنسانيتها... ثم بعد ذلك تنتمي إلى أمور أخرى، مثل هوية صاحبها، انتمائه، جنسه، لغته، دينه، وهي كلها ذات تأثير في مضمون الكتابة وشكلها.

وبالتالي لابد أن يكون هناك تأثير في الرواية ناتج من جنس الكاتب، ذكراً أو أنثى.

ولأن هناك قوالب وأنماطاً يدخل في أسْرها معظم الكتّاب، وهذا مما يُوهم بأن هناك شكلاً عاماً للكتابة وهذا ليس صحيحاً، لأن الكتابة الحرة الأصيلة لا تدخل ضمن تلك الأنماط الجاهزة. الكتابة الآتية من منبعها تتبع مسارها الذي حدده لها المنبع ذاته، لأن الكتابة تحدد شكل نمطها واحتياجاتها... ومن الصعب أن يُفرض عليها نمط جاهز.

ورغم أن القالب الموجود قد تم تكريسه أو ترسيخ نمطه منذ قرون من قِبل الكتّاب الذكور، فأصبح يمتلك روح اليقين، وجمود المتمرس، وكل وارد يتشبث به، بما في ذلك الكتابة النسوية الحديثة في عمرها، لكن في النهاية جسد الكتابة النسائية انتصر واكتشف طريقه، وجاءت الكتابات الحديثة معبّرة وعاكسة طبيعتها الأنثوية، ونظرتها إلى الحياة، وتحليلها لواقعها.. الأنثوي الصرف، بلغته وطريقة تفكيره، التي هي بالتالي خاضعة للهرمونات الأنثوية التي تؤثر في طريقة التفكير، وتعكس شكل التقاط وتعبير مختلفين عن الذكر، وهذا ما يمنح إضافة وجِدّة للكتابة الإنسانية، وليس العكس من ذلك، وهو أن الاختلافات البيولوجية لا تؤثر في شكل الكتابة كما يقُلْن.

الاختلافات البيولوجية لها هرمونات، وهذه لها دورها ومسارها في المخ، وبالتالي لها انعكاساتها على طريقة الكتابة والتفكير.

وربما تتسع رقعة أشكال الكتابة مع هذا الانفتاح الهائل للحرية والعولمة، وحينها سنجد كتابة للمراهقين والأطفال بعيداً عن نمط الكبار الجاهز، وكتابة لذوي الاحتياجات الخاصة وربما لمرضى التوحّد.. أو الانفصام، أو كتابات ستأتينا من كواكب أخرى أو مخلوقات لا نعرفها، أو قد يتطور الإنسان الآلي ويستطيع أن يكتب نصوصه بأشكال لا تُعد ولا تُحصى، أو أن يزداد الجنس الثالث أو الرابع وتكثر الكتابات الخنثوية.

فهل سيجفل النقّاد والكتّاب والصحافة من هذا الانهمار الرائع؟

هذا الفيضان القادم سيلتهم كل هذا التشكيك، وهذه النقاشات والحوارات العقيمة، ولن يلتفت خلفه أبداً؛ لأن الحضارة حينها ستتراكم طبقات وطبقات لتصبح جبالاً من معرفة لا تُحصى، ولا يمكن إخضاعها لأسئلة.